حاول جاهداً أن يجد مبررا أو سببا ، وبعد أن أقنع ذاته أنه محصّن لا يخطئ، أو أن أخطأ فهو بالضرورة مغفور له، بل ومبرّر صبّ جام غضبه على الجميع . لم يسلم منه أحد، فالرئيس أبو مازن متهم والسلطة الفلسطينية متّهمة وحركة الجهاد الاسلامي وحركة فتح متهمتان، وبالقطع فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية متآمرة أو مقصرة أو متهمة عدا عن حماس، وبالنتيجة فإن الشعب الفلسطيني كله شعب إرهابي.
سياسة نتياهو على الصعيد الداخلي – الحزبي التآلفي تُمنى بالفشل الذريع مع المكونات الحزبية خارج اليمين المتشدد ، ويشعر بالحصار والضيق الشديد على الصعيد الخارجي، فلقد أحرجته لعبة الذكاء الفلسطينية التي قارعته في ملعب ظن لأمد طويل أنه الفارس الوحيد في ميدانه.
استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية بانجازاتها المتلاحقة –أكانت محدودة أم مشهودة-على الصعيد الأوروبي والعالمي السياسي والقانوني أن تُفقِد نتنياهو ما كان يظنّه حصونه وقلاعه ، فانكشاف الوجه القبيح عن سياسة الاسرائيليين العنصرية الاحتلالية بالحراك الفلسطيني الهادئ والنشط والمتزن أتت ثمارها.
حاول نتنياهو جاهدا أن يلعب لعبة الذكاء بادعاء رغبته بالمفاوضات مرار وتكرارا ، وعندما يأتي أوان دفع الثمن يتنصل كما حصل بالإغراق في الاستيطان في الضفة الغربية من فلسطين من جهة، وفي رفض اطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وغيرها من عقبات وطّد نفسه على اختلاقها، ظانا أنه بذلك يمسك كل الأوراق .
لم تستسغ حكومة (الخزر) في تل أبيب أن ينكشف وجهها الأسود المقنّع بالبراءة، التي طالما أربكت الغرب أو أَسَرته ، ولم تقبل أن يجلس أبو مازن في المواجهة بمنطق الحرّ والندّ الواثق، الذي رفض كل الضغوط ومحاولات الاملاء فأعلن الدولة في الأمم المتحدة وسارع للانضمام لمنظمات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، ولم ينجر للاستدراج الاسرائيلي.
ولم يكن الرئيس أبومازن هازلا أبدا عندما أعلن استعداده للتفاوض على أسس الحدود الواضحة فأُسقِط في يد (نتياهو) الذي وجد ضالته بالأسلوب القديم الجديد، حيث المزيد من التهديد والوعيد والغطرسة الاحتلالية و (العقوبات) خاصة عندما عالج الرئيس أبو مازن حُجّة التمثيل السياسي بتحقيق المصالحة، ولم يلتفت أبدا لتهديدات (نتياهو) وحكومته العنصرية المتشددة.
اليوم يستجدي رئيس الوزراء الاسرائيلي عملا عسكريا أو أي عمل ، يغطي به على سياساته العرجاء وعلى عجزه التام عن القدرة لاعادة تبييض وجه سياسته المُخفِقة، ليجد ضالته باختفاء (أو خطف) الجنود الاسرائيليين الثلاثة في الخليل، وكأن الأمر خارج من بين يديه ، وهو الذي يستدرج الشعب الفلسطيني بسياساته الارهابية الاحتلالية لإنتفاضة جديدة أو ثورة متّصلة أو فعل معاكس أصبح – هذا الشعب – أكثر وعيا وقدرة على استشراف الأساليب النضالية الناجعة في ظل الموازين والمتغيرات والخبرات والتجارب، خاصة في ظل اقليم متفتت وجناح عربي مهيض.
لم ينجح نتياهو وحكومته في استدراج الفلسطيني الواعي لردود فعل من الممكن أن يتم وسمها (بالإرهابية) رغم احتفاظهم بحق الكفاح المسلح وتقرير المصير الذي كفلته الأمم المتحدة والشرائع الدولية للواقعين تحت الاحتلال. ولم ينجح أن يجر الشعب لمواجهة خاسرة في زمن الخذلان العربي والتجبّر الصهيوني والتواطؤ الأمريكي، فكان (اختفاء أو خطف) الجنود فرصة ذهبية لرئيس الوزراء الخزري الاسرائيلي للتحلّل من التزاماته السياسية نحو السلام ، ونحو أهمية اغتنام الفرصة، ما سيجر الويلات عليه وعلى السكان الاسرائيليين ، وعلى صورة (اسرائيل) في المحافل الدولية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها