يقول الله تعالى في محكم آياته: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ"، صدق الله العظيم. هذه الآية القرآنية الكريمة توضح دون أدنى مراتب الشك الواقع الذي يحيط بنا وتقطع الشك باليقين أن نعيش وسط غابات ووحوش. لماذا أكتب في هذا الموضوع، الحقيقة أن السبب واضح لا لبس فيه. ليلة صدور قرارات المحكمة الدولية باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، ووزير حربه المقال غالانت، كان من باب الصدفة أن اطلعت على ردة الفعل لأعضاء الحكومة الإسرائيلية، الذين دون استثناء أصابتهم الدهشة والنكران لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وكان لسان حالهم يقول: "معقول أننا قمنا بهذه الجرائم؟ الفلسطينيون ناكري المعروف"، لا يقدرون معروفنا وكل ما نعمل من أجلهم، هذا لسان حالهم عندما تسمعهم بعد صدور أوامر الاعتقال لكبيرهم. 

فقط من باب التذكير بعد أحداث يوم السابع من أكتوبر 2023، أصاب القيادة الأمنية والسياسة الإسرائيلية وعموم الشعب الإسرائيلي حالة من الهيجان، لدرجة أن الشعب الإسرائيلي أخذ يتغنى  بأنهم ذاهبون لاجتياح غزة وإبادة من فيها، أما الساسة فقد اتخذت قرارات صارمة بتحليل كل المحرمات، من قتل ما سموهم بالعماليق، والتجويع والتعطيش، ومنع الدواء والماء عن كل غزة، أرادوا لهم أن يترنحوا من الجوع والعطش والمرض، وفي سبيل ذلك دمروا المأوى والمسكن، وأغلقوا صنابير المياه، ومنعوا الدواء والغذاء عن كل غزة. وشنوا الحرب على كل من يتحرك ولم يفرقوا بين مدني أو مقاوم، ساقوا الجميع إلى الموت.  آثار الحرب على غزة ستبقى شاهدة على الجريمة وأي جريمة هي التي فقد الإنسان إنسانيته وتغنى بوحشيته وأهدى إلى أحبائه وأعزائه صور التدمير والقتل الذي مورس في غزة، ومن سيق إلى المعتقلات السرية عراة كان التنكيل مصيرهم، هذا ما كشف عنه بعض الناجين من المعتقلات. قصة تكشف عن نفسها لكل من تسنى له الاطلاع على الأوضاع في غزة هاشم. ولكن وبعد تدمير %80 من القطاع، ومقتل وجرح أكثر من  مئة وسبعين ألف مواطن، ودمرت المؤسسات والمدارس والجامعات، وغزة أصبحت أرض محروقه وأبناؤها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، والبحر قد نال من خيمهم وفرشهم، يأتي هؤلاء الملوثون عقليًا ليستغربوا مما سمعوا من محكمة الجنايات الدولية حول التهم المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت، بل ويتحدثون بوقاحة عن كرمهم في تزويد غزة بالمواد الغذائية، والأغطية ومستلزمات المعيشة والأدوية.  من الكرم الحاتمي المفقود، أما المضحك المخزي عندما تحدث نتنياهو عن بلاد الخير وبلاد الشر، السؤال الذي يتجلى بعد شلال الدماء من الأبرياء، هل ترون أنفسكم في المِرآة؟ هل ما تقومون به في الأرض سمة الخير؟ أم تحسبون أنفسكم ولكن لا تشعرون، إنه الشر والشر كله.

وهنا أود أن أنقل بعض الردود الإسرائيلية التي وردت في وسائل الإعلام: مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يصرح إن إسرائيل "ترفض رفضًا قاطعًا الأكاذيب السخيفة والكاذبة" التي وجهتها إليها المحكمة الجنائية الدولية.

كما وصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ القرار بأنه "يوم مظلم على العدالة والإنسانية"، متهمًا المحكمة بأنها حولت العدالة الدولية إلى "مادة للسخرية الدولية". وقال هرتسوغ: إن القرار "يسخر من تضحيات كل أولئك الذين يناضلون من أجل العدالة، منذ انتصار الحلفاء على النازيين حتى اليوم"، وأنه يتجاهل محنة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس. واتهم هرتسوغ المحكمة الجنائية الدولية، بالتحيز إلى جانب "الإرهاب والشر"، وأنها حولت نظام العدالة ذاته إلى "درع بشري لجرائم حماس ضد الإنسانية".

كما اتهم رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا بـ "استهداف القادة المنتخبين ديمقراطيًا في إسرائيل" التي وصفها بأنها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم".

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: إن المحكمة "فقدت كل شرعيتها" بعد إصدارها مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق بشأن حرب غزة.

ووصف ساعر القرار بأنه "لحظة مظلمة"، مضيفًا أن "الهيئة التي تطلق على نفسها اسم "محكمة" أصدرت أوامر سخيفة دون سلطة، وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة".

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت: إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة  بحقه تشكل "سابقة خطيرة ضد الحق في الدفاع عن النفس والحرب الأخلاقية ويشجع الإرهاب القاتل".

وأضاف: أن القرار يساوي بين دولة إسرائيل وقادة حماس الذين وصفهم بـ"القتلة"، وبالتالي فإن ذلك "يضفي الشرعية على قتل الأطفال والنساء واختطاف المسنين من أسرتهم".

وأدان كل من الائتلاف والمعارضة في إسرائيل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتانياهو وغالانت، ووصفا ذلك بـ "التصرف المعادي للسامية الذي يستهدف إسرائيل والخطأ الذي لا يُغتفر".

وقال زعيم المعارضة يائير لابيد: إن "إسرائيل تدافع عن نفسها ضد المنظمات الإرهابية التي هاجمت وقتلت واغتصبت مواطنينا"، مضيفاً أن "مذكرات الاعتقال هذه هي مكافأة للإرهاب".

ووصف رئيس حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، العضو السابق في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، قرار الجنائية الدولية بأنه "عمى أخلاقي ووصمة عار تاريخية لن تُنسى أبدًا"، كما كتب على موقع إكس.

وعلق وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير على القرار، بأن الرد على ذلك "هو فرض السيادة على جميع أراضي الضفة الغربية والاستيطان في جميع أنحاء البلاد".

كما دعا إلى قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية التي وصفها بـ"الإرهابية" إلى جانب فرض العقوبات عليها، مضيفاً على موقع إكس أن قرار الجنائية الدولية "معاداة للسامية الحديثة تحت ستار العدالة".

وقالت وزيرة النقل ميري ريجيف، واصفة مذكرات الاعتقال: بأنها "سخيفة قانونية"، ومؤكدة أن ما فعلته إسرائيل ليس جريمة وإنما "واجبنا الوطني والأخلاقي".

ووصف وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف أوامر الاعتقال بأنها "اتهامات معادية للسامية ضد جميع مواطني إسرائيل"، متعهداً بأن إسرائيل "لن تتراجع وستواصل مكافحة الإرهاب القاتل".

هنا أتذكر القول إذا لم تستحي فافعل ما شئت، وقول الله تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ"، صدق الله العظيم.