ربما السؤال الأصح القول بعد فصل الساحات ما هو مصير قطاع غزة؟ فالصورة في لبنان بدأت تتضح، هناك اتفاق معادلته واضحة، انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مقابل انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني ومنع عودته، ولتنفيذ هذا الاتفاق ومدى الالتزام به، تم وضع آليات مراقبة تقودها الولايات المتحدة الأميركية. مهمة لجنة المراقبة هي أوسع من رقعة الجنوب اللبناني، وإنما تشمل الحدود مع سوريا أيضًا، ومراقبة المعابر البرية والبحرية والمطار، وذلك لمنع إعادة تسليح حزب الله وربما نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي، والاتفاق يبدأ بهدنة مدتها 60 يومًا يتم خلالها التحقق من أن الطرفين ينفذان الاتفاق بحذافيره.

من دون شك أن هذا الاتفاق يمثل تحولاً إستراتيجيًا في لبنان والمنطقة، وربما يمهد لتطبيع العلاقات بين كل الأفرقاء الإقليميين، بما يشمل اتفاقًا أميركيًا إيرانيًا نوويًا جديدًا، باختصار قد نرى تغيرًا في المشهد الحالي للشرق الأوسط، والذي قد يختفي منه محور المقاومة كما نفهمه الآن.

طبيعة التغير إن كان إيجابيًا أم سلبيًا سيعتمد كثيرًا على الكيفية التي ستنتهي بها الحرب في قطاع غزة، فإذا كانت النهاية ستذهب بالقطاع للاتجاه الإيجابي بمعنى أن يفتح الطريق لحل الدولتين، أم سيكرس الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، أو الإصرار على فصله عن الضفة، فالاختبار سيكون بالطريقة التي ستنتهي بها الحرب في غزة، فإذا ذهب بالاتجاه السلبي فإن المشهد الكبير في المنطقة لن يؤدي إلى أي شيء وإن عدم الاستقرار والتوتر سيتواصل.

وتختلف الصفقة بخصوص قطاع غزة عنها في لبنان، وعلى المستوى البسيط المباشر هناك موضوع المحتجزين الإسرائيليين، فإن التسوية في غزة ستقرر مستقبل القضية الفلسطينية، وإذا ما كانت التسوية ستقود لإنقاذ هذه القضية من التصفية وتمهد بالفعل لحل الدولتين، أو أي حل يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، ووجودهم على خارطة المنطقة، أم أنه سيمهد لما يعلنه أقطاب اليمين المتطرف الإسرائيلي من مخطط لضم الضفة. الصفقة في لبنان لها علاقة بالأمن الإسرائيلي، وما قد يحدثه الاتفاق من تغيرات في الداخل اللبناني.

ولكن يبقى السؤال الآن: بعد إنهاء وحدة الساحات، متى وكيف ستنتهي الحرب على قطاع غزة، وإذا ما ستبدأ النهاية من خلال صفقة لتبادل الأسرى، ومن ثم يتم الاتفاق بشأن اليوم التالي للحرب؟.

ومهما يكن فإننا بعد انتهاء الحرب في لبنان قد نكون بالفعل أقرب من أي وقت مضى لوقف الحرب في قطاع غزة، وربما تكون هناك حاجة أميركية لإنهاء الحرب كي تكون الأمور ممهدة أمام إدارة ترامب لتحصد النتائج الإستراتيجية وتقوم بتنفيذ الصفقات الكبرى في المنطقة. المهم أن تتوقف هذه الحرب، وأن تتوقف بطريقة تنهي الاحتلال، وتحافظ على وحدة أراضي الدولة الفلسطينية في ظل قيادة واحدة للشعب الفلسطيني ومركز واحد للقرار السياسي، وبما يتعلق بهذا الأمر، فإن الكرة في ملعب حماس التي عليها أن تتصرف بمسؤولية وتعلن موافقتها على توحيد الكيان الفلسطيني في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية.

وبما يتعلق بمستقبل حماس ودورها فهذا يحتم أن تجري هذه الحركة مراجعة لكل تجربتها منذ تأسيسها وبشكل خاص بعد سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، وحتى يومنا هذا، والمراجعة تشمل ممارستها على الصعيد الوطني، وتحالفاتها، وبرنامجها السياسي، وبالتحديد موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، وأهمية ألا تأخذ وحدها الساحة الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى مغامرات مكلفة وغير واقعية.

بالمقابل على الكل الفلسطيني أن يجري مراجعة شاملة، فهناك فصائل انغمست بالأجندات الخارجية وسببت أكبر الأضرار للقضية الفلسطينية.

ولعل شكل التسوية في قطاع غزة وحتى بشكلها الأوسع بما يشمل مستقبل الشعب الفلسطيني يعتمد بدرجة كبيرة علينا نحن، ومن واجبنا أن ننهي وظيفتنا الداخلية بطريقة صحيحة تمتن وحدتنا بطريقة إيجابية، هذه الخطوات ضرورية وعلينا إنجازها بأسرع وقت.