منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تصاعدت الأسئلة داخل الأوساط السياسية والإعلامية حول من سيخرج منتصرًا ومن سيخرج مهزومًا: هل استطاعت حركة حماس وقوى المقاومة أن تصمد وتفرض معادلات جديدة في الصراع؟ أم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حقق أهدافه العسكرية والسياسية؟الوقائع على الأرض تشير إلى أن النصر لم يكن كاملاً لأي طرف، لكن الهزيمة المعنوية والسياسية طالت الجانبين، وإن بدرجات مختلفة.
نتنياهو رغم ما امتلاكه آلة الحرب الإسرائيلية والتفوق التكنولوجي والعسكري، فشل في تحقيق هدفه المعلن في إنهاء قدرات حماس والمقاومة وكسر إرادتها، بل على العكس، قد أظهرت قوى المقاومة صلابة في الأداء العسكري، واستمرت في إطلاق الصواريخ المحدودة الفاعلية والتأثير حتى اللحظات الأخيرة، مما أحرج المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وأفقد المستوطنين شعورهم بالثقة وبالردع وبالأمن.
في المقابل، فإن قوى المقاومة، رغم قدرتها على الصمود وتسجيل نقاط في معركة الإرادة، قد دفعت أثماناً باهظة، فقد تكبدت قوى المقاومة الفلسطينية خسائر فادحة في الأرواح والقيادات والكوادر، وتعرضت بنيتها العسكرية والتنظيمية لضربات متلاحقة، إلى جانب دمار شامل في الأنفاق ومخازن السلاح.
أما الشعب الفلسطيني برمته وخاصة في قطاع غزة فقد دفع ثمناً يفوق الوصف، أكثر من خمسين ألف شهيد، وأكثر من مئة وعشرين ألف جريح، وأكثر من خمسة عشر ألف مفقود لا يزال معظمهم تحت الأنقاض، عدا عن دمار شبه كامل في البنية التحتية والمنازل والمدارس والمستشفيات، ونزوح داخلي مرات عدة لمئات الآلاف خلال العدوان المستمر منذ قرابة تسعة عشر شهرًا.
لعل السؤال الأهم الذي يُطرح على حركة حماس وقوى المقاومة ما هو: ما الثمن السياسي والإنساني لهذا الصمود في قطاع غزة؟ وهل سيتحول هذا الصمود إلى مكسب وطني، أم فقط في حسابات وأجندات أخرى، أم أنه مجرد جولة أخرى، كسابقها من جولات المعاناة والقتل والدمار والتهجير، والعودة من جديد إلى مصطلحات (مقاومة، دمار، إعمار، حصار) ومع ذلك تكريس الإنقسام والتشرذم الفلسطيني، بما يخدم مخططات الكيان الصهيوني في القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
نتنياهو، سيخرج أو قد خرج جريحًا سياسيًا، فهو لم يحقق إنجازًا حاسمًا يمكن تقديمه للناخب الإسرائيلي، كما أن التصدعات داخل الجيش وحالة الاستنزاف باتت أكثر وضوحًا وتعميق الخلافات بين الطبقة السياسية، وبينها وبين الشارع الإسرائيلي.
أما حماس وقوى المقاومة، فإنها وإن لم تُهزم عسكريًا، إلا أنها لم تنتصر أيضًا بمعناها الشامل، إذ لا يزال الاحتلال والدمار والحصار قائمًا في قطاع غزة، ولا تزال غزة مدمرة، وسكانها هم من دفعوا ومن يدفعون ثمن هذه المواجهة التي زجوا بها من دمائهم وممتلكاتهم وأحلامهم.
لذا أقول وبملء فمي أن المنتصر الحقيقي، إن وُجد فعلاً، فهو الإنسان الفلسطيني الصامد والثابت على أرضه، والرافض والمقاوم لسياسات التهويد والتهجير والإبادة التي يتعرض إليها، والذي أثبت أنه لا يمكن تجاهله في أي معادلة من معادلات الصراع، وأن المهزوم الأول هو من ظن أو يظن، أن الحسم العسكري كفيل بإخماد إرادة الشعب الفلسطيني بأكمله وهزيمته.
نعم لم ينتصر أحد على الأرض، لكن الرواية الفلسطينية قد استعادت جزءًا مهمًا من حضورها الأخلاقي والإنساني في وجه آلة القتل والدمار الهمجية والفاشية والعنصرية الإسرائيلية.
أما غزة فهيَّ لا تزال تنتظر من ينقذها من حرب الإبادة ومن خطط التهجير، وتحتاج من يعمل على غوثها السريع وإعادة إعمارها لا من يزايد عليها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها