الثوريون لا يموتون بل يخلدهم التاريخ، والأسرى الأبطال يبقون نماذج حية يصنعون التاريخ وأسطورة الصمود. ففي السادس عشر من شهر نيسان، شهر حكاية درويش وزهر اللوز، وفي كل عام حين تعود الذاكرة بنا لحضرة الغياب، نتذكر رجل وقائد ونموذج كفاحي، كما نتذكر آخرين من نماذج الحقيقة الثورية.

فكان خليل الوزير "أبو جهاد" واحداً من هؤلاء والقائد العملي لكفاحٍ مسلح ولإنتفاضة الحجر، وبذلك جسد الوطنية من خلال طريق وحدة المناضلين رغم التباينات الفكرية والتنظيمية في مرحلة الصعود الوطني وفي إطار "قاوم" القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الكبرى. فزرع بذلك روح المقاومة في أجيال ما زالت تسير حتى اليوم على ذلك النهج الثوري حتى دحر الاحتلال وصولاً للحرية والاستقلال الوطني.

وقبل 24 عاماً في مثل هذا اليوم أيضًا اختطف أعداء الإنسانية والحرية الأخ القائد مروان البرغوثي "أبو القسام"، هذا الإنسان المتواضع والمتماثل مع شعبه ليعانق إخوانه الأسرى الأبطال في سجون أبشع احتلال فاشي، فيصمدون معاً أمام وحشية الجلاد ويقاومون بكرامة واعتزاز وشموخ المناضلين من أجل أن يبقوا وتبقى كرامة شعبنا وكفاحه العادل.

ويبقى أسرانا الأبطال الذين تطول قائمتهم وهم يقتربون من حريتهم في ذكرى 17 نيسان يوم الأسير الفلسطيني نجوم ما زالت تضيئ لنا طريق الوحدة والانتصار.

لقد رحل القائد الوطني "أبو جهاد" ومعه عشرات الآلاف من الشهداء الآخرين جسدًا، وبقي مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبدالله والروم وغيرهم من الأسرى الأبطال ينتظرون عناق شعبنا وحريتهم. فمنهم من قدم روحه ومنهم ما زال يحملها على أكفهِ من أجل حريتنا نحن، ليمثلون برحيلهم وصمودهم فكراً ونهجاً من أجل الأرض والهوية والكرامة الوطنية، فكانوا أول الرصاص وأول الحجارة. وبشموخهم في مقدمة شعبنا ستبقى أرضنا بمخيماتها وقراها ومدنها عصية على الاحتلال مهما تجاوزت جرائمه من فظائع، وسيبقى شعبنا متمسكاً بكفاحه الوطني التحرري حتى وقف حرب الإبادة والاقتلاع القذرة ضد أهلنا في غزة هاشم وكل فلسطين، ومن أجل دحر الاحتلال نحو تحقيق أحلام الشهداء كنجوم تحوم بالسماء فوق رؤوسنا، ومن أجل ما ضحى الأسرى به من مساحة حريتهم لأجل حريتنا نحن في وطن حُر لشعبٍ من الأحرار.

واليوم وفي ظل تلك الذكريات وهذا النضال المستمر لشعبنا في مواجهة جرائم الاحتلال من أجل بناء وطن حُر، يتجلى دور الاستثمار الوطني ليس كأداة للتظاهر أو الترف المُنفصل عن معاناة الناس، بل كحق وضرورة لبناء اقتصاد وطني مقاوم يدعم الكفاح والتحرر الوطني لكي يكون حينها مجدياً. فالاستثمار الحقيقي هو ذلك الرأسمال الوطني الذي يواصل تعزيز الصمود والبنية المجتمعية، ويُعيد صياغة مستقبل يعكس إصرار الشعب على العدالة والحياة الحرة الكريمة للجميع، معتمداً على قيم المسؤولية والشفافية دون احتكار أو استئثار.

وكما تَبقى الدعوة لوضوح الرؤية وللوحدة الوطنية وترسيخ أسس العمل الديمقراطي التشاركي الواسع لكل فئات شعبنا حاضرة في هذا الظرف المفصلي، فالاستثمارات التي تخدم الشعب وتدعم أسسه الاقتصادية الإنتاجية والتعليمية والصحية هي حجر الأساس في مقاومة محاولات الاقتلاع والتهميش والنهب.

وتبقى ردود الفعل الشعبية صدى للوعي الجماعي الذي يرفض أن يحتفل بالإنجازات الاقتصادية على حساب معاناة الوطن والمواطن. فقد وصف الكثيرون من شعبنا بأن ما تم قبل أيام بافتتاح أحد المراكز التجارية "حفلة فوق المقبرة". حيث لا يُمكن أن يخترق وهج الاحتفالات الاستعراضية ظلام الألم والقتل والدمار الذي يُخلفه الاحتلال بشكل يومي. إنها دعوة لإعادة التفكير في نمط الاستثمار وأشكالهِ التي لا تستدعي كل تلك البهرجة المزيفة والنفاق، بل توجيه الموارد بتواضع نحو بناء مستقبل يُجسد الاستقلال والعدالة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وربطهم بالمشروع الوطني التحرري.