حملة الإبادة الجماعية الدموية الإسرائيلية، التي ابتدأتها حكومة الصهيونية الدينية بقيادة نتنياهو قبل سنة ونصف من الآن، بذريعة هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 تتوسع، وتحقق أهدافها الحقيقية غير المعلنة- التي أدركناها مبكرًا- بوضوح وجلاء، والدليل تدمير مدينة رفح جنوب قطاع غزة وضمها إلى منطقة ما يسميها الاحتلال بالأمنية، ما يعني قطع التواصل الجغرافي ما بين حدود دولة فلسطين مع مصر العربية، والسيطرة عليه أمنيًا بالمطلق، وهذا يعني استباق المسعى الفرنسي في إطار الاتحاد الأوروبي، للاعتراف بدولة فلسطين، ولمنع إعادة العمل باتفاقية المعابر سنة 2005 بين السلطة الوطنية الفلسطينية، وحكومة إسرائيل، تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، لكننا على يقين أن لإسرائيل أهدافاً أبعد، تتعلق بفرض أمر واقع عسكري أمني (احتلال مباشر) داخل الأراضي الفلسطينية (على الحدود مع مصر) في إطار الضغط على مصر العربية لقبول فكرة تهجير سكان قطاع غزة من ناحية، وتكريس واقع عسكري جديد ضاغط ومخالف للاتفاقيات القائمة بين مصر وإسرائيل، ولا نغفل هنا الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، الطافحة بمنهج تخويف المجتمع الإسرائيلي من تنامي قوة مصر العسكرية، بالتوازي مع توسع قواعد البنية الاقتصادية، في ظل توازن واستقرار سياسي، وقدرة مصر على الخروج بأمان من كل المواجهات والضغوط السياسية، التي فرضت عليها من دول كبرى وأخرى في الإقليم، فإسرائيل معنية بانشغال دول عربية أقامت معها اتفاقيات سلام بمشاكل داخلية تنعكس سلبًا على وحدة شعوبها الوطنية، ولا ضير لديها إن وصلت حد الصراع المباشر مع دول أخرى. ولا تخرج المملكة الأردنية عن منظور ساسة (إسرائيل) بهذا الخصوص أيضًا، لكن الحكمة والعقلانية والواقعية السياسية، المستندة على المبادئ والثبات على الحق في ثلاثية: فلسطين ومصر والأردن ستفتح المسارات أمام السلام وفق الرؤية الفلسطينية العربية الدولية، المدفوعة بقرارات الشرعية الدولية وقوانينها ومواثيقها الإنسانية.

أما شمال القطاع فالعملية مستمرة لتحقيق ذات الهدف، أي تحويله إلى (منطقة أمنية) خالية من السكان، ما يعني دفع سكان شمال القطاع، وحشرهم في أماكن تجمعات سكنية دمر أكثر من 80% من مبانيها ومنشآتها الحيوية وعلى رأسها المستشفيات والمدارس والجامعات، بعد تدمير أخصب أراضي قطاع غزة، وتدمير موارده الزراعية، علاوة على تدمير ما تبقى من منشآت صناعية، وهذا حتمًا سيدفع مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين للهجرة -تحقيق هدف التهجير- تحت ضغط إعدام مقومات الحياة في قطاع غزة، بالتوازي مع قتل أكبر نسبة من مستقبل أكثر من مليوني فلسطيني، أي (الأطفال والنساء).

فساسة وجنرالات منظومة الاحتلال الإسرائيلية حولوا قطاع غزة إلى ساحة لقتل المدنيين الأبرياء وتجويعهم، وتركوهم فريسة للأمراض والأوبئة، بحجة تجسيد منطق (المفاوضات بالنار) أي بالمقولة الخبيثة: "الضغط العسكري على حماس للإفراج عن الرهائن".

فهذا القول مفضوح ومكشوف، وبات معلومًا لكل المنظمات الأممية، والحقوقية المستقلة، ولكل عاقل، يحتكم لضميره الحي الحر، ولكل من يقرأ تفاصيل الإبادة الدموية الجماعية ببصيرته، وأحاسيسه ومشاعره، فالعالم على يقين الآن، أن إسرائيل تستغل مفاهيم خاطئة للحياة والموت، نُشِرَت عن قصد في مجتمعاتنا العربية، لحجب العقل الإنساني المفترض سيادته على الإيمان بالحق والإرادة والعمل، والجهل، بخصوصيات وسمات ومركبات وطبيعة وتركيبة ومرجعيات مجتمعاتها المستوردة، وكذلك فقدان ساسة وعسكر حماس للأحاسيس والمشاعر الإنسانية مثلهم، تجاه الضحايا الأبرياء، الذين تعتبرهم إسرائيل بصغارهم ونسائهم وعجائزهم وشيوخهم إرهابيون يجب قتلهم، ويعتبرهم ساسة حماس خسائر تكتيكية. لذا ليس صعبًا معرفة لماذا يُقَسم الاحتلال المحاور العسكرية إلى أجزاء، في رفح بالجنوب، وفي شمال وشرق القطاع؟!.