ما ثمّةَ كلماتٌ بوسعها أن تصف الواقع الذي بات عليه قطاع غزة، الخراب ليس شاملاً فحسب، بل مقيم على نحو أحجية لا حلّ لها، ومتاهات لا مخرج منها. وأهل القطاع حيارى لا يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا بهذا الخراب، فيما المجاعة تلاحقهم، والعطش يطاردهم، كمثل ما تلاحقهم، وتطاردهم، طائرات الحرب الإسرائيلية.
لم يعد حتى الحلم ممكنًا، فليس لجسد متخم بالجراح، القدرة على الحلم فحسب، بل ليس له القدرة على النوم أساسًا، والعيون هناك جفت مآقيها، وبات البكاء، بكاء القلب لا سواه، على أحبة زهقت حرب فاشية أرواحهم، بلا أي رحمة، ولا أي تحسب، ولا أي ثمن.
هذا الواقع الذي بات عليه قطاع غزة، لا يريد أحد من قيادات حركة "حماس" الاعتراف بحقيقته، بل إن (خطيبها المفوه) خالد مشعل، صاحب مصطلح "الخسائر التكتيكية" يحاول أن يغطي على هذا الواقع، بمنجزات عالمية، حققها هجوم السابع من اكتوبر 2023، فهذا الهجوم حسب خالد مشعل، في لقاء متلفز مع فضائية "صدى البلد" المصرية، استفادت منه روسيا، لأنه صرف الأميركان عنها، وعن أوكرانيا، وأن هذا الهجوم سيدرس في كليات العلوم العسكرية، والصين رأت فيه نموذجًا مبهرًا، بل إن الصينيين، والحديث هنا ما زال لخالد مشعل، يفكرون بخطوة كيف يفعلون مع "تايوان" ما فعلته "حماس" في السابع من أكتوبر.
على هذا النحو، وبمثل هذه الثرثرة، تواصل "حماس" نكرانها للواقع، وما زالت تحلق في فضاء أوهامها المحمومة، حيث السابع من أكتوبر يقدم دروسًا وانجازات للعالم، لكنها لا ترى البتة أن هذا الهجوم قد أعاد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، ولم يفعل شيئًا للقطاع سوى المذبحة والخراب، بعد أن شكل الذريعة لإسرائيل اليمين العنصري المتطرف، لكي تشعل نيران حربها الفاشية ضد فلسطين بأسرها.
بين النكران والأوهام، وبين الواقع والحقيقة، تتمايل سفينة حماس المخروقة في بحر التفاوض، وحتى اللحظة لا تعرف على أي بر يمكن لها أن ترسو، فبعد أن كانت قد أعلنت استعدادها التخلي عن "سلاح المقاومة" كما تصف سلاحها، في محادثاتها اليتيمة، مع مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الرهائن "آدم بوهلر" عادت اليوم لتعلن حسب تصريح للقيادي الحمساوي طاهر النونو، أن هذا السلاح ليس مطروحًا للتفاوض، والواقع أن هذا السلاح غير مطروح للنقاش فعلاً، باعتبار أنه بات منزوعًا كتحصيل حاصل، فقد بات عمليًا ليس ذا صلة، بالصفقة النهائية الكفيلة بوقف الحرب، وإعادة إعمار قطاع غزة المكلوم، حيث أن حماس بقضها وقضيضها المسلح، في الحل النهائي، وبعد وقف الحرب، لن تكون داخل إطار ما بات يعرف باليوم التالي، ولسبب في غاية الوضوح، أن إعادة الإعمار لقطاع غزة، لن تكون مع وجود حماس السلطوي المسلح في القطاع المكلوم.
هذه هي الحقيقة، وكلما توغلت حماس في نكرانها، كان هناك المزيد من الضحايا من أبناء شعبنا الفلسطيني، والمزيد من الخراب لمختلف بنياته، ومساكنه، وحقوله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها