الإرسال الواقعي من قطاع غزة إرسال حتى اللحظة لا يسيل بغير الدم، دم الضحايا الأبرياء، رجالاً ونساء، شبانًا وفتيانًا، وأطفالاً، حتى الأمس 44249 شهيدة، وشهيدًا، 104746 جريحًا، 7160 مجزرة، و1410 عائلة مسحت من السجل المدني بصورة كاملة، هذا هو إرسال الدم الذي ينوح كذلك بأنقاض البيوت والبنايات التي تكومت فوق بعضها البعض، وثمة فصول لهذا الإرسال الواقعي شديدة العتمة وهي تتحدث عن عصابات مسلحة، تسطو على شاحنات المساعدات، وتحيلها إلى السوق السوداء، برعاية تجار الحروب وجشعهم، وقبل ذلك برعاية جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسيطر على مجمل المعابر، التي تدخل منها تلك الشاحنات.

حال من الفوضى، وهيمنة السلاح المنفلت، تحقق مزيدًا من الخراب على مستويات مختلفة، في القطاع الذبيح، وحماس ما زالت لا تقرأ شيئًا من كل هذا الإرسال الواقعي، غير أن هذا لا يعني أنها لا تعرف شيئًا عن هذه الحال، وبعض السلاح المنفلت، يقال: إنه "من سلاح المقاومة، لكنها بالنكران ذاته، تواصل خطابًا ما عادت له أي جدوى، وأي قيمة حتى التعبوية، خطابًا كمثل صيحات في برية".

القيادي الحمساوي سامي أبو زهري من الجزائر يعلن إن حركته تجري أوسع حملة مع المنظمات الدولية، والدول الصديقة، من أجل تسريع إدخال المساعدات إلى غزة، ونراه هنا لا يريد إقناع أحد بهذا الإعلان سوى نفسه.

وقبل ذلك دعا أبو زهري الرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب" للضغط على إسرائيل، لوقف الحرب على غزة. كأن أبو زهري ما عاد يعرف شيئًا عن الحال السياسية لحركته "حماس" وعن قيمة هذه الحال، وواقعها الذي بات رومانسيًا فحسب. وبلا أي مصداقية، ومعقولية، فما من قدرة باتت لهذه الحال، لا على التأثير، ولا على التغيير. عدا أنها حال بلا شرعية، طالما ما زالت لا تقرب الشرعية الفلسطينية، الوطنية، والدستورية، والنضالية، بل وتصر على مناكفة مؤسسات هذه الشرعية، وسياساتها وإطارها المعترف به دوليًا، وبكلمات أخرى ما زالت "حماس" تسير في الدروب التي لا توصل للمعرفة، ولا للحكمة، ولا للواقعية بمفهومها النضالي، ولا للرشد الوطني في المحصلة، وهذه دروب في الواقع لا حياة، ولا مستقبل لها.

منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، ونحن ندعو "حماس" لأن تطرق جدران الخزان الذي أسقطت حالها فيه، لكن النكران ما زال هو سيد الخطاب الحمساوي مع الأسف الشديد ونرجو ألا يظل هذا الخطاب على هذه الحال.