فتح ميديا/ لبنان - خاص مجلة القدس

مع نشوء التحركات والهبات الشعبية العربية في عدد من الدول العربية تبلورت مصطلحات أطلقت هنا وهناك ومنها الربيع العربي، والبعض وجد في كلمة الربيع مصطلحاً سابقاً لأوانه بإعتبار أن هذه الأوضاع المستجدة ما زالت تعيش حالة من المخاض الصعب والمؤلم الذي يحتاج إلى جهود مضنيية، وخبرات ناضجة، ومعارك سياسية داخلية وخارجية، وجرأة واضحة في مجال تعزيز أسس الديموقراطية التي تفرض نفسها على القيادات الحزبية المخضرمة، وعلى القيادات الشابة الناهضة التي وضعت ثقلها في معركة التغيير، لكنها بالتأكيد لا تستطيع القفز عن الموجود والمعهود.

لا احد ينفي أن هناك متغيرات في الواقع العربي بعد هذا الحراك الشعبي الواسع في العديد من الدول العربية، أيضاً لا احد يستطيع أن ينفي حجم التدخل الأميركي والأوروبي في عملية التغيير، وفي عملية الحسم في القضايا الجوهرية، فالولايات المتحدة هي التي أعطت أمراً واضحاً لحسني مبارك كي يغادر موقعه الرئاسي، وبالتالي إعطاء الدور المحوري للقيادة العسكرية بانتظار نضوج العملية الديمقراطية، والتدخل المباشر من قبل واشنطن في تحديد الترتيبات الاقتصادية والأمنية، فالشعب ينتخب ديموقراطياً لكنَّ واشنطن القابلة القانونية هي التي تشرف على عملية الولادة ساعة بساعة، وهي التي تسمي الأمور بمسمياتها.

الشباب العربي خاصة في مصر أدى دوراً ميدانياً مميَّزاً على الصعيد الميداني، وقد كان هو الوقود لهذه الهبات الشعبية التي من المفترض أن تبلغ في مضامينها الهدف السياسي المنشود من تغيير الحكم القائم، واستبداله بنظام ديموقراطي يحقق المساواة والعدالة، لا أن يساعد بعد هذه التضحيات الجسيمة على تكريس هيمنة حزبية لهذا الفريق أو ذاك بعيداً عن الرؤية الديموقراطية للنظام القادم بما يحفظ هيبة الوطن وحقوق المواطن.

والسؤال الذي من الضروري طرحه هو هل الشباب العربي نال المكافأة التي كان ينتظرها بعد هذا الجهد المميَّز، وهل سيعطى المجال كشريحة شابة أن تشارك في صياغة مستقبل النظام السياسي، أم أن دوره كان في خدمة الأحزاب الكبرى التاريخية؟

على الصعيد الفلسطيني أنا لا أوافق على طرح التسميات والمصطلحات نفسها التي استُخدمت بالنسبة للواقع العربي على الواقع الفلسطيني.  فالواقع الفلسطيني مختلف، وإذا كان الربيع العربي مُصرِّاً في مختلف الاقطار على إستبعاد الموضوع الفلسطيني من حراكه لأنه يريد التركيز على خصوصياته القطرية سواء كانت من الزاوية السياسية، او الأمنية، أو الاقتصادية، واذا تحدث البعض في هذا المجال كان الموقف دائماً هو أن الربيع العربي مع كافة الاتفاقات المعقودة مع الكيان الإسرائيلي، بمعنى أنه لا يوجد إستعداد عند أي طرف بتصعيد الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي.  فالكيان الإسرائيلي مطمئن لأن واشنطن ما زالت تمسك بزمام الأمور.  خاصة أنه سبق لواشنطن أن بدأت حواراً مسؤولاً مع حركة الإخوان المسلمين ومع كبار قادة هذه الحركة في العالم، وأسَّست لمرحلة جديدة، فقيادة حركة الاخوان تريد الوصول إلى السلطة السياسية، وواشنطن تريد تغيير الوجوه السابقة بوجوه جديدة تعطي النتائج التي المطوبة.

وأنّا أرى أن ما ينطبق على الوضع الفلسطيني ليس الربيع الفلسطيني، وليس الربيع الشبابي الفلسطيني، وانما أرى أن التسمية الأفضل، والأكثر نضوجاً، هي "الصيف الفلسطيني" وأقول ذلك لعدة أعتبارات أساسية:

أولاً:  إن قيادة الشعب الفلسطيني التي فجَّرت الثورة، وأعلنت إنطلاقتها التاريخية كان في  العام 1965، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف الدور الفلسطيني، ولا توقفت التضحيات الفلسطينية، وهناك اكثر من مئة الف شهيد، وهناك مؤسسات خاصة بالشهداء والجرحى والمعوَّقين، إذاً ربيعنا بدأ في العام 1965، وكان ربيعاً طويلاً.

ثانياً:  إنَّ الشعب الفلسطيني انخرط في الثورة بكل شرائحه الاجتماعية وقواه السياسية، وكان الشعور العام أن فلسطين أرضٌ محتلة والواجب الوطني يدعو الجميع للإنخراط في معركة الحرية والانتصار.

ثالثاً:  إن كافة القوى السياسية الفلسطينية، والقوى الشعبية على اختلافها تمثَّلت في إطار م.ت.ف الإطار الوطني الشامل، والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبلورة إطار م.ت.ف، والتمثيل الديموقراطي فيه كان معركة سياسية داخلية وخارجية، أسهم فيها الجميع، وكانت خياراً فلسطينياً وطنياً جامعاً هو الأساس في تطور الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي.

رابعاً:  إنَّ الصيف الفلسطيني كان وما زال يسمي الأشياء بأسمائها، وبوضوح كامل لأنه في الخندق الأول، وهو وحده يتحمل أعباء هذه المواجهة في هذه المرحلة التي تلت 1982، وخطابنا السياسي في حركة فتح أو في م.ت.ف واضح المعالم، فهناك إحتلال إسرائيلي، وهناك عدوان يومي على شعبنا الفلسطيني، ونحن نخوض معركة ضد الاستيطان والتهويد، وضد الجدار، وهناك موضوع الأسرى وتعقيداته، ولنا برنامجنا النضالي، وخطابنا السياسي، وأيضاً لنا برنامجنا الوطني القائم على الوحدة الوطنية، ومجمل هذه القضايا التي قطعنا فيها شوطاً طويلاً عبر نصف قرن.  لم تأت الثورات العربية على أي مكسب من هذه المكاسب باعتبار أن الاهم لديها هو الواقع الذي تعيشه.

خامساً: إنَّ الصيف الفلسطيني ليس بحاجة إلى ربيع فلسطيني لأننا تجاوزنا نرجسية الربيع ومبادئه الأولية، ودخلنا في عمق الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأرضنا الفلسطينية بكاملها تحت الاحتلال، وبرنامجنا أيضاً واضح كحركة فتح فنحن نؤمن بالوحدة الوطنية الفلسطينية، ونؤمن بضرورة إنهاء الانقسام لأنه خيار إسرائيلي وهو العائق أمام الوحدة الوطنية، ويكفي أن شعبنا بقواه السياسية هو اليوم يقف وجهاً لوجه ضد الاحتلال، واجراءاته العنصرية، وسياساته الدموية والتصفوية.

سادساً: إن استنهاض الوضع الفلسطيني الداخلي يكمن في قدرة القوى السياسية ومختلف الشرائح الوطنية في تعزيز الوحدة الوطنية، وفي دفع الاطراف الرافضة للمصالحة الفلسطينية كي تأخذ دورها المطلوب الذي يعزز التلاحم الداخلي، ومن المهم رفع الشعارات المرحلية كمطالب نضالية يُجمع عليها الشعب الفلسطيني، وتشكل ضغطاً ملموساً على الجهات القيادية، ومحاكمة القضايا بعقلانية، ولتحقيق أهداف وطنية، وعدم السماح للانتهازية أن يكون لها موطئ قدم في ساحتنا حتى نستطيع الدفاع عن انجازاتنا التاريخية.

سابعاً: إنَّ شعبنا الفلسطيني بكل أطيافه وخاصة فصائل م.ت.ف معنيٌّ بالثبات على أهدافه ومبادئه، والتمسُّك بالانجازات الوطنية التي تمت منذ الانطلاقة. وهذا يعني أن على الجميع التنبُّه لما يجري ميدانياً، ولا يجوز لأحد أن يعكس تجربة معينة في غير مكانها، فالحراك الشبابي في مصر وليبيا واليمن وغيرها والذي نادى بإسقاط أنظمة لا ينطبق على الواقع الفلسطيني لأن قيادتنا في الخندق الأول لمواجهة الاحتلال وإجراءاته التعسفية، لذلك فإن من يخطط لإسقاط القيادة الفلسطينية من خلال تحرك شعبي أو شبابي في فلسطين، هو يخدم الاحتلال الإسرائيلي لأن ما يريد فِعْلُه يصبُّ تماماً في المصلحة الإسرائيلية، لأنه بذلك يثير الإرباكات الداخلية، والتوترات ضد الداخل الفلسطيني وليس ضد الاحتلال الإسرائيلي.  وبدلاً من أن تتوجه الجهود إلى تفعيل المقاومة الشعبية، نجد أحياناً أن العكس هو الذي يحصل، وذلك من خلال توجيه سياسي انتهازي خاطئ، وحشد مؤسسات وجمعيات ومسميات أخرى تحت شعارات ظاهرها ديموقراطي وأبعادها تخريبية في الساحة الفلسطينية.

إن المعالجة الداخلية في الفصائل تتم من خلال أطر هذه الفصائل الشعبية أو الشبابية الهادفة التي ترفع شعارات لا للانقسام، لا للاستيطان، لا للجدار، نعم للمصالحة هذه الشعارات عندما ترفع فإن الشعب الفلسطيني كله يقف خلفها لأنها تعنيه كمواطن فلسطيني تحت الاحتلال.