بقلم: عبد الباسط خلف

التحق حسن علي ربايعة بابنه البكر علي، بعد أقل من ستة أشهر في بلدة ميثلون جنوب جنين، وقبل عشرة أيام من إتمام عامه الأربعين.

ولم يكن الفاصل بين مكان استشهاد الأب في البلدة القديمة والابن الفتى عند مدخل ميثلون كبيرًا، لكنه أعاد فتح جراح العائلة، التي لم تلتئم على مصراعيها، وكأنه أضاف إليها الملح.

وسرد علي ربايعة اللحظات الأخيرة التي جمعته بابنه حسن، قبل يومين، وقال: إن فقدان الابن البكر والحفيد الأول ليس بالأمر السهل، ويحتاج وقتًا لاستيعاب الصدمة الكبيرة التي تركها.

- بحر أحزان

وأفاد الأب المكلوم بأن فلذة كبده ترك ابنه يامن (13 ربيعًا)، وآية (8 سنوات)، والتوأم (بنان وبيسان)، قبل أن يكملا عامهما الرابع.

وتابع بحزن كبير، أن زوجته ووالدة حسن، فتحية توفيق ربايعة، رحلت عام 2010، بينما تعرض حسن لفترات اعتقال وخاض إضرابًا عن الطعام لانتزاع حريته في تشرين الثاني 2016، وقد استمر في حرب الأمعاء الخاوية 30 يومًا، بعد تجميد اعتقاله الإداري.

وأكمل بأن أحفاده من جيل أولاده: عبادة وأحمد ونور وحلا، الذين رزقهم الله بهم عقب رحيل رفيقة دربه الأولى، وستتضاعف عائلته مرة أخرى باحتضانه لزوجة ابنه وأحفاده.

وكانت العائلة فجر الأحد، على موعد مع حصار الاحتلال لابنها البكر في منزله وسط البلدة، فيما أجبر العائلة على الجلوس في العراء وسط البرد القارس، لتعلم لاحقًا أن ابنها كان هدفًا للرصاص والاقتحام.

- هدم وقيد

وأبصر حسن النور في 15 كانون الثاني 1985، قبل أربعة أشهر من تحرر عمه جمال في صفقة التبادل، الذي كان محكومًا 20 عامًا عقب عملية في حيفا، فيما نسف الاحتلال بيت جده عام 1973.

وأضاف الوالد: بأن ابنه حسن لم يكمل دراسته، واختار اتقان مهنة الحدادة ولم يعمل بها، ثم انتقل إلى الزراعة، والتحق بجهاز الأمن الوقائي، وعمل في تجارة السيارات.

ووفق ربايعة، وهو معلم متقاعد، فقد ثكل قلبه مرة في الصيف وأخرى في الشتاء، وفي أقل من نصف عام، وما يزيد القهر احتجاز جثمان ابنه، وعدم تمكن العائلة من دفنه بجوار نجله "علوش" كما كان يُطلق عليه أقرانه.

وما يضاعف من قهر الأب والجد أنه كان متعلقًا بابنه الأكبر وبحفيده الذي يحمل اسمه، وسيجد صعوبة من الآن في سد الفراغ الهائل الذي تركته الأحزان على قلبه.

ووفق الأب المحزون، فإنه لم يتوقع من جنود الاحتلال تقديم الأزهار والحلوى لابنه، فمهمتهم الوحيدة إطلاق النار.

وأضاف: أن أحد ضباط الاحتلال أحضر له ورقة بالعبرية، بعد قتل ابنه، وأخبره بمصادرة مركبتين و93112 شيقلاً من بيت حسن، الذي كان يتاجر بالسيارات، وقال له: إنه بوسعه المطالبة باستردادها.

- حسن المعادلة

فيما وصف ابن عمه سمير غياب حسن بالقاتل، فقد كان صلبًا ومناضلاً وتماسك أمام الناس يوم ارتقاء ابنه، لكنه عبر له عن فداحة الفقدان وثقل الخسارة، عقب دفن نجله البكر، وكان يبكي بعيدًا عن الأعين.

وأضاف: بأن أهالي ميثلون عرفوا عن حسن الشجاعة والتفاني والتنافس على مساعدة الناس وخدمتهم، وشكل في بلدته مُعادلة، وكان يسرع في حل الخلافات بين الأهالي.

وتابع ربايعة: كان ابن عمي ودودًا، ويخدم الجميع على حساب وقته وعمله، وسيشعر أهالي بلدتنا بحجم الخسارة وبالفراغ الكبير الذي تركه حسن.

وما يفاقم قهر ميثلون، كما أكد سمير، عدم دفن الأب بجوار ابنه، وهذا يعني بأن جرح العائلة لن يقفل، وسيقتلها انتظار الإفراج عن الجثمان من ثلاجات المحتل الباردة ومقابر الأرقام.

وأقامت جماهير غفيرة من ميثلون والبلدات المجاورة بيت عزاء لحسن، الذي سيقضي من الآن في ثلاجات القهر بعيدًا عن ضريح ابنه وثرى بلدته، فيما نعته الأجهزة الأمنية، وحركة "فتح" والقوى الوطنية، وانتشرت صورته برفقة نجله الشهيد، خلال حفل عرس، على نطاق واسع في منصات التواصل.