بقلم: حسين السنوار

في ظل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، والتي طالت كافة مناحي الحياة، ومع إعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بدء الدراسة عن بُعد يواجه آلاف الطلبة في مدارس الوكالة الأممية والملتحقين في الدراسة لديها مشكلة في الدراسة لانقطاع شبكات الإنترنت شبه الدائم عن القطاع ولغياب التعليم الوجاهي.

تقدم وكالة "الأونروا" منذ بداية الشهر الجاري رزمًا تعليمية يومية عبر موقع التواصل الاجتماعي "الواتساب" من خلال قيام مدرسيها بنشر رزم تعليمية عبر التطبيق، وهو ما يشبه التعليم فترة انتشار فيروس "كورونا"، لكن المختلف هذه المرة أن لا منازل ولا مدارس ولا شبكات انترنت، فقد هدم وقصف الاحتلال خلال عدوانه على القطاع عشرات آلاف البيوت ومئات المدارس، ويحرم الناس من الاتصالات والإنترنت طيلة أيام الحرب المستمرة لأكثر من خمسة عشر شهرًا متتالية.

ويخشى الكثير من المواطنين في قطاع غزة الذهاب أو إرسال أولادهم وبناتهم إلى مقاهي ونقاط توزيع الإنترنت لاستهدافها في غير مرة من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي وإيقاع العشرات من روادها بين شهيد وجريح.

يقول الطالب أنس جودة، في الصف التاسع: إنه "سجل نفسه في المدرسة من خلال الرابط الذي أطلقته "الأونروا" للالتحاق بالدراسة عن بعد من خلال تواصل المدرسين مع الطلاب عبر "الواتساب" إلا أنه يواجه مشكلة في الحصول على تلك الرزم اليومية لافتقاره لهاتف أو جهاز لاب توب للدراسة الأمر الذي يحرمه معرفة كل ما ينشر أسوة بزملائه".

ويضيف: إنني في بعض الأحيان استلف هاتف والدي وأذهب به إلى نقطة شحن الهواتف وهذا يأخذ من وقتي ساعتين على أقل تقدير، وبعدها أتوجه إلى نقطة توزيع إنترنت لأتمكن من الحصول على الرزم، مشيرًا إلى أنه في كثير من الأوقات يكون هناك ضعف في الشبكة، ويؤثر بشكل سلبي على تحميل الزرم، وكل ذلك يحتاج إلى مجهود بدني وعقلي إضافة إلى تكلفة مادية من خلال شحن الهاتف وشراء بطاقة انترنت.

بينما يقول الطالب بهاء أبو عوض في الصف السادس الأساسي: "لقد التحقت أنا وأخوتي الثلاثة في التعليم عن بعد ونقوم بشكل يومي بالذهاب إلى نقطة توزيع إنترنت ومعنا هاتف واحد فقط، نتناوب على الدراسة عبر "الواتساب" ونُجبر جميعًا على انتظار بعضنا البعض للذهاب والإياب لخطورة الأوضاع، والتصعيد والقصف الإسرائيلي المستمر على مدار الساعة في قطاع غزة".

ويضيف: "إننا نقوم من أول اليوم بإرسال الهاتف إلى نقطة الشحن الكهربائي حتى نتمكن من الدراسة وتحفنا في أيام الغيوم غصة لصعوبة شحن الهاتف"، مشيرًا إلى أنه وبعد الذهاب لنقطة الانترنت وتنزيل الرزم اليومية يعودون للخيمة ويبدؤون بمراجعة ودراسة ما تم إرساله من قبل المدرسين، وهذا فيه مشقة عليهم حيث لا يوجد كتب ولا قرطاسية أولاً ولانشغالهم في توفير الطعام من التكية تارة وتعبئة المياه تارة أخرى.

بينما يقول حازم حسان، الطالب في الصف السابع: "أنا لا أملك هاتفًا أو جهاز حاسوب فأجبر على مرافقة أحد أصدقائي وزملائي في المدرسة لنذهب سويًا إلى نقطة الإنترنت، فيقوم هو بتنزيل المرفق عبر الواتساب على هاتف والده ومن ثم أقوم أنا بنقله على كراستي، وهذا الأمر فيه تعب ومشقة لعدم توفر الكتب ولصعوبة نقل الكتابة من الهاتف، وأيضًا لتأثير ذلك على زميلي الذي يجبر على انتظاري حتى أتم الكتابة".

وأشار إلى أنه يواجه صعوبة في تسليم الواجبات اليومية حيث يجبر على كتابتها على كراسته الخاصة ومن ثم يقوم بنقلها مرة ثانية على هاتف والد زميله وبعدها يسلم واجباته الأمر الذي يجبر زميله على الانتظار طوال هذه الفترة، لافتًا إلى أنه ولصعوبة الأوضاع المادية يضطر هو وزميله لدفع ثمن بطاقة الإنترنت مناصفة أو يقوم أحدهما بدفعها مرة والآخر في مرة أخرى.

فيما قالت الطالبة سالي ماجد، في الصف التاسع الأساسي: إنني أجبر على تأخير دراستي لوقت المساء حتى يتمكن والدي أو أحد إخوتي من مرافقتي لنقطة توزيع إنترنت لحمايتي في ظل الأوضاع الخطيرة التي نمر بها من قصف وتصعيد إسرائيلي، ولأنها تخشى أيضًا من سرقة هاتفها في المكان العام كما سبق أن حدث معها في مرة سابقة.

وأشارت إلى أنه في أحيانٍ كثيرة يذهب معها أخوها الأصغر ومعه هاتف والدته، ويقومان بشراء بطاقة واحدة وإدخالها على أحد الهاتفين، ومن ثم يتم ربط الهاتف الآخر بالإنترنت من أجل توفير ثمن بطاقة ثانية لمرة أخرى.

أما المدرس محمد حمدان، فيقول: "أعيش نفس الظروف الصعبة التي يمر بها طلابي من نزوح وتهجير ومعاناة وانقطاع للإنترنت وصعوبة شحن الهاتف والبطاريات، إلا أنني مجبر على الذهاب لنقطة توزيع الإنترنت لأقضي فيها على الأقل أربع ساعات متتالية، حيث أقوم بإعداد المادة المراد تنزيلها وإرفاقها للطلبة والقيام بإرفاقها للطلاب عبر الواتساب وانتظار الطلبة لتسليمها وقراءتها ومتابعة من يريد الاستفسار والأسئلة، وهذا كله يزيد من معاناتنا التي نحياها كل يوم من أيام العدوان، وكل ذلك الوقت يكون على حساب التزامات أخرى أُجبرنا على القيام بها بشكل يومي.

وتمنى أن ينتهي العدوان وأن تعود الدراسة الوجاهية من جديد لأن الظروف الحالية تكبد أولياء الأمور مصاريف إضافية فوق طاقتهم من شحن الهواتف وشراء بطاقات إنترنت وغيرها من المصروفات اليومية.

أما المدرس أحمد الحطاب فيقول: إنه أفضل حالاً من غيره من المدرسين والطلاب فإنه يتوفر في المنطقة التي يقطنها انترنت إلا أنه يشعر بغصة في قلبه لعدم تمكن الكثير من المدرسين والطلاب الحصول على خدمة الانترنت، ومواجهتهم صعوبة بالغة من حيث الوقت والإنترنت وصعوبة في التعلم، متمنيًا من شركات الاتصال الخلوي في القطاع منح حزم إنترنت مجانية للطلاب والمدرسين، وتكون بسرعة معقولة ليتمكنوا من إتمام الدراسة لأن الحزم المتوفرة لا تلبي أدنى المطلوب منها.

وأضاف: أبذل كل ما بوسعي من أجل التخفيف عن طلابي من خلال مساعدة من هم في محيط سكني بالتدريس المجاني ومتابعة أمورهم الدراسية، متمنيًا أن تزول الغمة عن شعبنا وتعود عجلة الحياة لما كانت عليه قبل خمسة عشر شهرًا من حرب الإبادة.

وقال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني، في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي: "يعود الأولاد والبنات في جميع أنحاء المنطقة إلى مدارس الأونروا باستثناء غزة، إن أكثر من 600 ألف طفل هناك يعانون من صدمة عميقة، ويعيشون تحت الأنقاض، وهم ما زالوا محرومين من التعلم والتعليم، حيث كان نصفهم يدرسون في مدارس الأونروا".

وأضاف: في غزة، تم تدمير أو إتلاف أكثر من 70٪ من مدارس الأونروا، وإن غالبيتها الآن عبارة عن ملاجئ مكتظة بمئات الآلاف من العائلات النازحة ولا يمكن استخدامها للتعلم، مشيرًا إلى أنه كلما طالت مدة بقاء الأطفال خارج المدرسة زاد خطر ضياع جيل كامل.

بينما قالت وزارة التربية والتعليم: إن أكثر من 12.943 طالبًا استُشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي المستمر ضد قطاع غزة، و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب، وإن 788 ألف طالب في قطاع غزة ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم منذ بدء العدوان.

وحسب إحصائيات رسمية فإن عدوان الاحتلال حرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفا يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفا ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.

وخلف العدوان على غزة أكثر من 25,000 طفل ما بين شهيد وجريح، منهم ما يزيد على 10,000 من طلبة المدارس، وسط تدمير 90% من مباني المدارس الحكومية البالغ عدد أبنيتها 307.

فيما تحولت غالبية المدارس التي تديرها "الأونروا" "نحو 200" في القطاع، إلى مراكز إيواء للنازحين، كما تعرضت 70% منها للقصف، حيث تم تدمير بعضها بالكامل، وتضررت أخرى بشكل كبير، وحسب الأونروا فإن ‏أربعة من كل خمسة مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لضربات مباشرة أو تضررت، كما تحولت غالبية المدارس الحكومية القائمة أو شبه القائمة لمراكز إيواء تضم في جنباتها آلاف النازحين، الأمر الذي يعيق من الانتظام بالعملية التعليمية.

ويُشار إلى أنه في قطاع غزة عقدت العديد من المبادرات التعليمية للطلاب والطالبات من الصف الأول الأساسي حتى الصف الثاني عشر (توجيهي)، جزء منها مبادرات شخصية وأخرى مدعومة من مؤسسات دولية مثل اليونيسف وإنيرا، ولا يزال عشرات الآلاف من الطلاب يحرمهم العدوان من الالتحاق بالتعليم سواء الوجاهي أو عن بعد مثل تعليم الأونروا أو المبادرات التعليمية، وكل ذلك يؤثر سلبًا على جيل كامل يريده ويرغمه الاحتلال على التجهيل القصري.

يُذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ عدوانها المستمر على قطاع غزة لأكثر من خمسة عشر شهرًا متتالية تحرم المواطنين من الكهرباء والماء والانترنت وغيرها من أساسيات الحياة اليومية.