يتواصل إضراب الأسرى والمعتقلين لليوم الثالث والعشرينبالنسبة لغالبيتهم الساحقة، في حين أن أقدم الإداريين المضربين دخل يومه الثاني والسبعين،ولا يوجد ما يدل على أن حكومة بنيامين نتنياهو تستوعب هذا الموضوع أو في الطريق نحواستيعابه، ربما لأنها الحكومة نفسها التي قررت قبل وقت غير طويل أن تتخذ سلسلة إجراءاتتعسفية بحق الأسرى، بحجة أن الأسير الإسرائيلي السابق غلعاد شاليت كان يعامل بصورةلا إنسانية، وحركة "حماس" التي كانت تحتجزه منعت الصليب الأحمر الدولي منزيارته، حيث كان مكان احتجازه سرياً، بل هذه هي الحكومة التي تمادت في عملية قمعهاللأسرى بتشريعات وأنظمة جديدة غير معهودة، ومنها سن قانون شاليت الذي يعاقب الأسرىوالمعتقلين، ويمنع عنهم قسماً من حقوقهم. 

المعتقلون منعوا من التعليم الجامعي ومن اكمال التوجيهي،وهي اجراءات حديثة، ونقل قسم منهم للعزل، وتعرضوا لتفتيش ليلي وتفتيش عار ومذل وإلىقمع الجسدي، وحرم قسم منهم من تلقي زيارات الأهل، ولا يقتصر ذلك على معتقلي قطاع غزةالذين حرموا من الزيارات بسبب أسر شاليت، بل طال الأمر عدداً من معتقلي الضفة لأسبابوادعاءات فارغة ومتنوعة، إضافة إلى الاعتقال الإداري المتكرر والمستمر لأعداد كبيرةمن الكوادر والنشطاء التنظيميين، ومعاملة الأهل الزائرين، و الاهمال الطبي والنقص فيالغذاء، وكل ما تقدمه مصلحة السجون الاسرائيلية للأسرى مقارنة مع دول العالم الديمقراطيالذي تدّعي إسرائيل أنها تنتمي إليه.وكان من الطبيعي أن يلجؤوا إلى سلاح الإضراب الوسيلةالكفاحية الاهم التي يمتلكونها ، على الرغم من المخاطر المترتبة عليهم جراءها مع ازديادمدة الإضراب . 

حتى الآن تبدو المعركة في الاتجاه الصحيح من حيث التفاعلالداخلي وتعاطي الجماهير وإلى حد ما الفصائل مع الإضراب ، حتى المستوى الرسمي بدأ مؤخراًبخطوات فعلية مثل عقد اجتماع للجامعة العربية على مستوى المندوبين ودعوة الامم المتحدةللانعقاد لمناقشة قضية الأسرى الفلسطينيين ، ويمكن القول أن الموقف الأوروبي بدأ فيالتحرك من خلال دعوة إسرائيل لتحسين معاملة المعتقلين الفلسطينيين. لكن هذا كله غيركاف على ما يبدو لدفع حكومة بنيامين نتنياهو لتدرك خطورة الموقف وتتخلى عن عنادها وموقفهاالعبثي الذي لا ينطوي سوى على الحقد والرغبة في الانتقام من المعتقلين ليس أكثر. وهناكحاجة لتفعيل المزيد من الضغط الشعبي والرسمي على سلطات الاحتلال. وهناك حاجة لتدخلدولي اكبر وأقوى وخاصة من الهيئات الأممية الإنسانية والحقوقية 

الادعاءات الأمنية لا تستقيم مع الواقع افضل فترة نعمتبها مصلحة السجون الاسرائيلية بالهدوء والأمن عندما كانت هناك تفاهمات بين المعتقلينوهذه الهيئة ،واليوم عندما لا يشعر الاسرى بأنهم يحصلون على الحد الأدنى من حقوقهملا يمكنهم أن يصمتوا ويصبروا إلى مالا نهاية ، وعندها يتم خرق حالة الهدوء والاستقراراللذين لا يمكن أن يكونا على حساب الاسرى فقط . هذه المعادلة لم تكن واضحة في عقولقادة مصلحة السجون ولا عقول المتطرفين في الكنيست والحكومة الإسرائيلية. مع العلم أنالوضع لا يقتصر على العلاقة بين السجين والسجان فهناك عالم خارجي مرتبط بهذه المعادلةالتي تمتد إلى الجماهير العريضة والأحزاب والحكومات والمؤسسات المحلية والدولية والمجتمعالدولي بأسره. 

ربما يراهن بعض الإسرائيليين على حالة الانقسام التييعيشها الشارع الفلسطيني، وهي نفس الحالة التي منعت الأسرى من التوحد ضد اجراءات مصلحةالسجون في السابق ، ولكن الوضع تغير عندما أعلن المعتقلون الإضراب وعندما كانت الحركةالاسيرة موحدة في الموقف حتى لو لم يشارك كل المعتقلين في الإضراب نفسه ،وعندما انتصرتالجماهير للأسرى . وسيكون الغباء حليف الحكومة الإسرائيلية إذا لم تقرأ المخاطر المترتبةعلى استمرار إضراب الأسرى، خاصة في ظل تعرض حياتهم للخطر واحتمال حصول حالة استشهادلأحد المضربين عن الطعام. 

صحيح أن وضع الأسرى ليس هو الهم الوحيد للمواطنين ،فهناك الجمود التام في العملية السياسية مع الجانب اللإسرائيلي وعدم وجود أفق سياسيعلى المدى المنظور ، وهناك تعثر موضوع المصالحة التي اصبحت مثل المفاوضات مع إسرائيل- على حد تعبير محمود الزهار القيادي في حركة " حماس "، والأوضاع الاقتصاديةفي حالة تدهور مستمر بسبب قلة الدعم المالي المقدم للسلطة والحصار الإسرائيلي وتفاقممشكلة البطالة في أوساط الشباب . وحالة الكبت التي يعيشونها. ولكن هذه العوامل مؤثرةوقد تلعب دوراً مهماً في انفجار الموقف ، إذا ما استمر الإضراب أو استشهد أحد المضربين- لا سمح الله – وهنا تجدر ملاحظة أن قضية الأسرى توحد الشارع الفلسطيني والفصائل والقيادات. هذا ما يجب ان يدركه العقلاء في إسرائيل ، إذا بقي لهؤلاء مكان في التأثير على المتطرفينالذين يقودون الجميع نحو الصدام والدمار.

الوقت أمام إسرائيل لتفعل شيئاً، وتمنع التدهور أو تؤجلهقصير جداً ، وهو محصور فى أيام قليلة وربما ساعات، قبل أن يحدث مالا يتمناه أحد أويسعى إليه. ولن يتهدد أمن إسرائيل بعودة زيارات أهالي المعتقلين من قطاع غزة لأبنائهمكما كانت قبل عام 2006 ، كما لن تحدث كارثة لو جرى اخراج المعزولين وإعادتهم إلى الاقسامعند زملائهم ، ولن تخسر إسرائيل عندما تلتزم بقواعد القانون الدولي والقانون الدوليالانساني واتفاقيات جنيف من العام 1949 وملاحقها ، وتحذو حذو الدول الديمقراطية المتحضرةفي معاملة الأسرى والمعتقلين ، وتقوم بتوفير حياة انسانية معقولة في ظروف الاعتقال.