الرئيس أبو مازن هو الرئيس الرابع لـ : "م.ت.ف" والثاني للسلطة الوطنية.. لكنه "عميد السن" بين رؤساء المنظمة والسلطة. عندما يقول إنه شارف الثمانين حولاً، فقد تتذكّرون، مثلاً، ما قاله زهير بن أبي سلمى حكيم الشعراء قبل البعثة المحمدية "سئمت تكاليف الحياة.." إلخ.

للعلم، فإن الشاعر زهير أحد ثلاثة شعراء فطاحل إلى جانب امرئ القيس، والنابغة الذبياني (والبعض يعتبر درويش رابعهم!).

هو آخر الرعيل الأول المؤسّس للحركة والمنظمة، وعلى مناكبه أمانة من سبعة من رؤساء المنظمة والحركة والسلطة، وبتعبيره هو أمام المجلس الثوري: بلغت الـ 79 ولن أخون شعبي وقضيته.

كان عرفات المؤسّس يردّد لشعبه: العهد هو العهد، وأحياناً وفي المؤتمرات الحركية الوطنية يقول لمن كان لرئيس حرسه الخاص "فتحي البحرية" أن يطلق عليه الرصاص، إن خان العهد.

العهد القديم الفلسطيني، في التحرير الشامل للتراب الوطني، ينتمي إلى العهد القديم العربي؛ والعهد الجديد الفلسطيني ينتمي إلى تجسيد القرار المستقل في دولة وطنية مستقلة.

المعنى من دولة فلسطين هو "فلسطين الأولى دولة" في تقرير المصير الوطني، وكذا "إسرائيل الثانية دولة" في رسم مسار جديد لها، ما دام الصراع عاد إلى جذره الأول.. صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً.

الدولة الفلسطينية هي بين شروط "الشرعية الدولية" وخطوط مشروع الوساطة الأميركية، ويبدو أن التجسير بينهما على غاية من الصعوبة دفعت كيري إلى الاعتراف بذلك، كأصعب قضية سياسية عايشها.

أبو مازن أعطى جواباً قاطعاً على أحد شروط إسرائيل "لن أعترف بيهودية إسرائيل" وجوابين مشروطين على "اتفاق إطار" محتمل، وعلى تمديد أجل المفاوضات. قال: سنتخذ موقفاً منهما إذا تمّ عرضهما علينا بعد دراستهما.

بذا، "لم يترك للصلح مطرح" .. أو بالأحرى للإذعان في مسألة "يهودية إسرائيل" وترك للاتفاق مطرحاً في اتفاق إطار محتمل (مكتوب أو اتفاق جنتلمان) وفي تمديد أجل المفاوضات لغاية العام الحالي. أي أنه: "أمسك العصا من طرفها الآخر في "يهودية إسرائيل" ومن وسطها في المفاوضات وشروطها وتمديدها.

في النتيجة؟ انسحب كيري، تحت ستار من الدخان، من فكرة الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل، ولم ينسحب أبو مازن من خيار المفاوضات، لكنه وضع شروطاً لاستمرارها (تجميد الاستيطان، وإطلاق سراح أسرى إضافيين غير الدفعة الرابعة) ولقبول اتفاق إطار تستطيع فلسطين قبوله والتفاوض عليه.

بعد أوسلو نصح خبير سوفياتي الفلسطينيين بالتالي: فاوضوا. لا تقطعوا المفاوضات. قدّموا مقترحاً على كل مقترح مضاد.

أتذكر أنني، بعد توقيع أوسلو في حديقة البيت الأبيض، كتبتُ أنه في انتظار إسرائيل مفاوضاً فلسطينياً صعباً. ومع أن الناس تسخر من شعارات الفصائل: "أثبتت التطورات صحة موقفنا" لكن جولات المفاوضات في "واي ريفر" و"كامب ديفيد" في عهد عرفات، وجولات المفاوضات في أنابوليس والجارية الآن، برهنت على أن المفاوض الفلسطيني ليس "رخواً" ولا "خرعاً"، مع الأخذ في الاعتبار موازين القوى، وموازين المبادئ؛ وموازين التغييرات العالمية والعربية.

رؤساء أميركا من كلينتون إلى بوش ثم أوباما رسموا خطوط "لوحة السلام" وسعى وزراء خارجيتهم إلى وضع "إطار للوحة".

في مقابلته المسهبة (والمبرمجة) مع الصحافي جيفري غولدبيرغ استكمل أوباما رسم "لوحة السلام" كما تراها الولايات المتحدة، وأوضح أن وزيره كيري، سكرتير الدولة، يضعه في سير مفاوضات وضع إطار للوحة أولاً بأول.

أعادت "الأيام" نشر النص الكامل والرسمي للمقابلة في صفحتين على حلقتين يومي 13 و14 الجاري، ويحسن بالقارئ أن يقرأ المقابلة بإمعان، فهي ترسم حدود محاولات الاستجرار والاستدراج الأميركية لفلسطين وإسرائيل، وربما خطوط اتفاق الإطار وتمديد المفاوضات، وشروط الاتفاق على التمديد، وتراجع كيري عن دعمه لمطلب إسرائيل حول يهودية الدولة.

مفهوم أنه إذا اجتمع أوباما بنتنياهو أولاً/ ثم عباس ثانياً، فإن نتيجة "استحقاق" نتنياهو ستؤثر على نتيجة "امتحان" أبو مازن، وفي نتيجة الامتحانين سنرى هل ستكون هذه الدولة التفاوضية هي الأخيرة في المستقبل المنظور على الأقل كما تقول أميركا؟

يمكن للإسرائيليين أن يجدوا رئيس وزراء آخر، لكن أوباما أبلغهم أنهم قد لا يجدون رئيساً فلسطينياً آخر يكون شريكاً لهم في عملية السلام.