اليوم هو مناسبة لاختبار جديد، لقدرة الإدارة الاميركية على التحلي بالحد الأدنى من النزاهة. فالمسألة المطروحة مع الرئيس محمود عباس، لا تتعلق بتفصيلات في ثنايا دولة قائمة ونظام حكم، وإنما هي مسألة مصير لشعب ينشد الحرية، منذ أن بدأت الهجمة الصهيونية على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى. إن حقائق الصراع ومقاربات التسوية معلومة للأميركيين، بل إن هؤلاء يعلمون فجاجة الموقف الإسرائيلي قياساً على مقترحات أميركية سابقة، فضلاً عن قرارات الأمم المتحدة ومدركات التاريخ. فالمعنيون بالاختبار هم الأميركيون، إما أن يثبتوا بأنهم قوة عظمى، ذات دور طليعي في الأمن والسلم الدوليين، أو أن يُحسم أمرهم كقوة عظمى راضخة لشراذم من الظلاميين المتطرفين، وتتماشى مع نزعاتهم وأحقادهم وغبائهم وتطرفهم، على قاعدة حسابات انتخابية، تلعب فيها مجمومات الضغط الصهيونية، دوراً مجرداً من قيم السلام والعدالة!

ويعلم الأميركيون يقيناً، أن غطرسة القوة الصهيونية التي يؤيدونها؛ هي سبب الزلازل في منطقة تقع في قلب العالم، وهي العنصر التفجيري للاستقرار، وهي العامل الأقبح، والأوقح استبداداً الذي يغذي التطرف. ويعلم الأميركيون أيضاً، أنهم بعجزهم عن إلزام حكومة المتطرفين والمستوطنين في إسرائيل، بمتطلبات عملية التسوية؛ يُضعفون دورهم ويقلصون نفوذهم في قلب العالم، بعد أن تسببت السياسات الظالمة والاستعلائية، في تحجيم النفوذ الأميركي، في جوارهم الأميركي اللاتيني القريب!

إنه يوم اختبار قدرة الإدارة على لعب دور منطقي ومقنع يليق بقوة عظمى. أما في حال الضغط على الطرف المظلوم والمستلبة حقوقه، والمشاركة في الخديعة مع حكومة نتنياهو؛ فإن الولايات المتحدة هي التي ستكون خاسرة وستقامر بمكانتها، لأن زمن العملاء والأذناب، وجمهوريات الموز والدكتاتوريات العسكرية، قد ولّى الى غير رجعة.

ما ينبغي أن يعلمه الأميركيون، أن الرئيس عباس الذي يتباحثون معه اليوم، قد حسم أمره وحدد موقفه، بحكم أن الشعب الفلسطيني الذي ارتضى عملية التسوية وقبل بـ 22% من أرض الآباء والأجداد؛ لا يمكن أن يتراجع أمام شهوة المهووسين للتوسع على حساب الأرض التي يعيش عليها هذا الشعب، ولا يمكن أن يقبل بضياع المقدسات وحقوق اللاجئين وضياع 60% من الأراضي المحتلة في العام 1967 وأن يقتنع بكيان من جزيئات محاصرة، بلا حدود، تتخلله مستوطنات المحتلين. فليس هناك قائد فلسطيني يمكن أن يتماشى مع طروحات من يريدون الموت لأصحاب الأرض، ويرون في القوة العسكرية، وسيلة بقاء واستراتيجية حياة!

إن كانت الضغوط الأميركية مكملة لضغوط الاحتلال، فلن تكون ثمة فرصة للدور الأميركي، وستكون إدارة أوباما هي المسؤولة عن كل التداعيات في فلسطين وفي المنطقة. إنه اختبار مفصلي لهذه الإدارة، إما أن ترتفع الى مستوى المسؤولية الدولية، أو تخسر. بالمقابل، ليس لدى الفلسطيني ما يخسره، وسيجد نفسه مضطراً لإعادة الصراع الى معادلته الأولى: قوة احتلال ظلامية غاشمة، وشعب ينشد الحرية والحقوق!

لا مجال للتراجع قيد أنملة عن مرجعيات عملية التسوية ومحدداتها. وهذه فرصة لإسرائيل إن كانت تعي مصلحتها في الحفاظ على ما ربحته، من سياق التسويات الذي بدأ مع "كامب ديفيد" الأولى بين السادات وبيغن. فإن عدنا الى المربع الأول، لن يكون هناك اعتراف بإسرائيل، قبل أن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية في أراضي 67 وعاصمتها القدس. لن يكون هناك قائد فلسطيني مستعد لطرح قضية الاعتراف بإسرائيل، عندما تتمسك هذه الأخيرة بنكرانها لحقوق الشعب الفلسطيني. أما بدعة الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" فهذه مردودة على أصحابها، لأسباب تتعلق بمنطوق دساتير الأمم، ومنها دستور الولايات المتحدة نفسها، قبل أن تتعلق بحقائق الواقع في الأراضي المحتلة عام 1948. إن هذا هو موقفنا، وما على الأميركيين إلا أن يزجروا ربيبتهم إسرائيل، لإلزامها بالأخذ بمرجعيات العملية السلمية. إما أن يحدث ذلك، أو يخسر الأميركيون في المنطقة وفي العالم!