هل تصحو "حماس" بعد تظاهرات قطاع غزة، التي خرجت في بيت لاهيا، والشجاعية، والنصيرات ودير البلح، وهي تطالب "حماس" برفع يدها عن القطاع المكلوم، والخروج من مشهده السياسي والعسكري، وليس لأجل أي هدف حزبي، أو سياسي، طالبت جماهير هذه التظاهرات بذلك، وإنما لغاية أن يتمكنوا، وأهل القطاع جميعًا، من العيش الآمن، بعيدًا عن "الحرب"، وكي لا يظل دمهم، ودم أطفالهم، يسفح بلا أي ثمن، هل تصحو "حماس" بعد هذه التظاهرات التي رفعت لافتات كتب عليها بالخط العريض "حماس لا تمثلنا".
هل تصحو وهي التي دعت جماهير القطاع إلى النفير العام، لنصرتها فلم تلق أي تجاوب مع دعوتها هذه، بل على عكس هذه الدعوة، خرجت بيت لاهيا أمس الأول، والشجاعية، والنصيرات، ودير البلح أمس، لتعلن على نحو بالغ الوضوح، لا نفير بعد اليوم، سوى نفير الرفض للحرب، ومشعلي نيرانها، لا نفير سوى نفير الاحتجاج الغاضب، على تصرفات، وسياسات "حماس" غير المسؤولة، وغير المقبولة، وغير العقلانية، وغير الوطنية، بعد كل تقدير وحساب.
قلبت هذه التظاهرات، دعوة حماس إلى نقيضها، بل إلى ما ينبغي على النفير أن يكون محتجًا بغضب عارم ضد الحرب، وضد "حماس" ودعواتها، وسياستها، والحقيقة أن هذه التظاهرات كشفت لا عن هذا الغضب الجماهيري فحسب، وإنما عن حقيقة الجهل الحمساوي، بنبض الشارع الغزي، النبض الغاضب والموجوع، نتيجة الويلات الإسرائيلية، التي جلبها طوفان "حماس" على قطاع غزة.
توهمت حماس أن الشارع الغزي ما زال لها، وأنه ما زال ينصت لخطابها، ويستجيب لدعواتها، وقد توهمت ذلك لأنها لم تكن تحدق بطبيعة الخراب، وحقيقته التي بات عليها القطاع، وباتت عليه حياة أهله، لم تكن تشعر بمعاناتهم، ولم تكن ترى تضحياتهم، غير ورقة لمساومات على طاولة التفاوض، ولم تر أطفالهم مشاريع مستقبل، وقد طالبتهم أن يقاتلوا الاحتلال بلحم هؤلاء الأطفال.
أطلقت "حماس" في الواقع الرصاص على قدميها بمثل هذه الدعوة، من حيث إنها تجاهلت، أو أنها لم تكن تدرك بعد، ما فعلته سياستها، وما فعله حكمها لقطاع غزة، فتوهمت جماهير ما زالوا تحت تأثير خطاباتها الشعبوية فيه، فأطلقت دعوتها التي لم تكن غير رصاص أصاب قدميها. ولم يكن انعدام هذا الإدراك، نتيجة الجهل فقط، وإنما هي المكابرة والنكران كذلك، وعلى أي حال، المكابرة والنكران، صنوان للجهل وسلوكياته المدمرة.
هل سيكون بوسع "حماس" أن تقفز من فوق حقيقة هذه التظاهرات، أو أن تتجاوزها، أو أن تتجاهلها، أو تكابر ضدها، وتنكرها، نظن أنها ستحاول ذلك، برغم أن حقيقة التظاهرات، باتت مستحيلة الخلاص منها، بدليل حتى فضائية "الجزيرة" التي طالما تطبل "لحماس" لم تستطع تجاهلها، فاعترفت بصوتها، الذي وصفته بالناقد "لحماس" وحكومتها ومطالبته لها بوقف الحرب، ومع أن هذا الوصف، محاولة للتخفيف من حدة الحقيقة، وصوتها الغاضب، والناقم، على "حماس" إلا أنه في المحصلة، اعتراف يبين مدى قوة، ووضوح صوت التظاهرات العارمة، التي انطلقت في أكثر من مكان من القطاع المكلوم، التي طالت أيضًا فضائية "الجزيرة" بالتنديد، وبهتاف هو الأبلغ، والأكثر فصاحة من نوعه "لا... لا للجزيرة... الشعب هو الحقيقة".
لم يعد ما هو قابل للجدل، أو التأويل، أو المماحكات، بشأن كل ما يتعلق بحقيقة ما تعنيه هذه التظاهرات التي أصبحت كشمس ساطعة، وحيث خطابها لم يعد غير فصل المقال، وعلى حماس سواء اعترفت بهذه الحقيقة، أو اختارت تجاهلها، ونكرانها، فإنها باتت اليوم خارج قطاع غزة، في وعي أهل القطاع، وفي هتافاتهم، وتطلعهم الوطني، والاجتماعي، والإنساني المشروع، وليس أدل على ذلك أكثر من هذا الهتاف، الذي رددته جماهير القطاع "برا.. برا حماس" وعلى البيان الذي أصدرته "تحت يافطة فصائل العمل الوطني، الذي زورت فيه غايات التظاهر، وهددت به المتظاهرين، بتحذير مرتبك، على "حماس" أن تنقع هذا البيان، وأن تشرب ماءه تاليًا، وهذا أقصى ما تستطيعه بهذا الشأن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها