التناقض في منطق اليمين الإسرائيلي ممثلاً في حكومة بنيامين نتنياهو في فتح جبهات متعددة وبشن الحرب بحجة الدفاع عن النفس، وتحت ادعاء تحقيق السلام في الإقليم كما تدعي، هو السلام الذي تفرضه بالقوة المسلحة وبدعم كامل من المحور الإسرائيلي في العتاد والذخائر والمرتزقة، وكما تم وشاهدنا تسخير كافة القوى المركزية لخدمة المشروع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، لضمان أمن إسرائيل وتحقيق قوة الردع في المنطقة، مما يمكن إسرائيل من الهيمنة وبسط النفوذ. وكل الذي تقوم به حكومة إسرائيل في سياسة ما يسمى الدفاع عن النفس ومنذ أن شنت الحرب متعددة الجبهات من أجل أن يحصل نتنياهو على صك براءة وإعفاء من كل القضايا التي تلازمه في الكيان الإسرائيلي، عسى أن تلك المجازر ترضى الشعب الإسرائيلي، الذي ضاق ذرعًا في سياسات اليمين الإسرائيلي ونتنياهو على رأسهم.
السابع من أكتوبر 2023، كان نقطة تحول في العقيدة الأمنية الإسرائيلية بشكل شامل. ما قبل هجوم حركة "حماس" إسرائيل كانت تبقي على الحركة كعامل نوعي في محور اللعبة الأممية، مما أبقى على الانقسام الفلسطيني وتعطيل أهداف الفلسطينيين. وكانت تتعايش إسرائيل مع تلك التهديدات التي تجاورها في قطاع غزة بعد الانقلاب الذي قامت به حركة "حماس" على السلطة الفلسطينية سنة 2007، تحت مسمى المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وكانت ترد على تلك التهديدات بمنتهى العنف المحدود القاس. إلا أنه بعد السابع من أكتوبر فقد ادعت إسرائيل بشكل لا يقبله المنطق، إن هجوم حركة "حماس" على غلاف غزة شكل تهديدًا لوجود دولة إسرائيل، وذلك من أجل استعطاف الغرب والولايات المتحدة معها للحصول على الدعم السياسي والعسكري اللازم لها أو توريط هذه القوى في العدوان معها، كما وحاولت أن ترمم في حربها مفهوم الردع الذي ادعى الإسرائيليون أنه سقط وتلاشى في هجوم حركة "حماس" على غلاف غزة، الذي طالما تمتعت به إسرائيل، وعملت على ترميم ذلك المفهوم من خلال استعمال القوة المفرطة في تلك الحرب متعددة الجبهات، وهذا مناف للمنطق، إذ أنه لا يوجد مقارنة في ميزان القوى الذي تتمتع به إسرائيل وبين حركة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى العاملة تحت جناح حركة حماس في قطاع غزة. لقد أرادت إسرائيل أن تستغل الفرصة وتحقق أهداف بعيدة المدى بسبب ذلك الهجوم، مما جعل المحور في الفلك الإسرائيلي يمنح نتنياهو رخصة لإنهاء حركة حماس في قطاع غزة، وسفك دماء الغزيين باعتبارهم الحاضنة للحركة في غزة. فما كان منها إلا أن دمرت غزة وقتلت وجرحت أكثر من ربع مليون فلسطيني في قطاع غزة، ودمرت البنية التحتية من شوارع ومدارس وجامعات ومستشفيات القطاع، وجعلت من قطاع غزة مكانًا غير قابل للحياة، واستطاعت أن تغير معالم غزة من مدينة يعيش الناس فيها إلى بؤرة من الخراب.
ومع بدء الحرب على غزة أعلن نتنياهو مرارًا أن الهدف هو تفكيك ما يسمى محور الشر في المنطقة وتغير معالم الشرق الأوسط، وتحدث في ذلك من على منبر الأمم المتحدة وبين ذلك ضمن خارطة وضح دول محور الخير ودول محور الشر. فكان لإسرائيل ما أرادت فقد تم تقليم أظافر حزب الله، وانتهاء حكم الأسد في سوريا، والعمل جارٍ على نزع سلاح حركة حماس، وهذا ما يفسر الجولة الثانية من الحرب على قطاع غزة وضمت مناطق واسعة وأراض جديدة إلى نفوذها في هضبة الجولان، وجبل الشيخ، والتي سيتم ضمها بحكم الأمر الواقع والقوة والهيمنة لإسرائيل. الرد على حركة حماس ، دخل في استراتيجية إسرائيل في تغير معالم الشرق الأوسط التي تم الإعلان عنها، وعملية توسع من خلالها الاستيلاء على أراضٍ جديدة في الجولان وسوريا.
اليوم إسرائيل تفرض حالة من السطوة والهيمنة، والردع ومدعومة بشكل كامل من خلال النفوذ الدولي الذي تنتشر أساطيله في المنطقة.
من خلال المتابعة لمجريات الواقع على مختلف الجبهات نستخلص أن إسرائيل ماضية في تنفيذ برامجها ومخططاتها في الإقليم لفرض واقع جديد، مبني على حالة الردع والهجوم للانتقال إلى واقع جديد مبني على خضوع واستسلام الأطراف الأخرى في الصراع مع إسرائيل. إسرائيل تريد التطبيع مع الدول العربية والإسلامية دون أن تقبل بالمشروع العربي للسلام، ودون أن تقبل بالمشروع العربي لإعمار غزة، فقط إسرائيل تريد من تلك الدول الخضوع والخنوع والاستسلام لإرادتها وبذلك يتحقق السلام وفق معاييرها التي تطرحها أما الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي. كل ذلك هو سلوك نتنياهو في الطريق المعاكس لاعتبارات السلام والعدل لكل الأطراف.
أمن الآخرين لا يقل أهمية عن أمن إسرائيل، ودون تحقيق أمن الآخرين، واستقرار المنطقة يجد طريقه من خلال العدالة والمساواة وإلا فإن هذا سيقي المنطقة مضطربة ومشتعلة، ونار تحت رماد. والبراكين تثور وتحرق الأخضر واليابس، عندما تجد طريقًا للثوران. فلا يمكن تحقيق الأمن والسلام في القتل والتدمير والتهجير، الأمن والسلام يتحقق عندما تحصل الشعوب على حقوقها وأمنها وسلامها دون فرض الهيمنة عليها، وتنطلق نحو بناء نفسها واستقرارها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها