18 شهرًا مرت على الإبادة الجماعية الصهيو أميركية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، سقط خلالها نحو ربع مليون إنسان بين شهيد وجريح ومفقود، جلهم من الأطفال والنساء، وتم تدمير معالم الحياة الآدمية بمختلف مستوياتها، وما بقي من مساكن أو أماكن عبادة أو مستشفيات ومؤسسات لا تزد عن اطلال بلا أعمدة، أو أعمدة متداعية، وتلازم مع ذلك، حروب نزوح وتجويع والأمراض والأوبئة، وفقدان مصادر البقاء من ماء وكهرباء ووقود، ومع ذلك تحمل أبناء الشعب أهوال وكارثية الإبادة الجماعية النازية الإسرائيلية الأميركية، طيلة نحو 16 شهرًا، وما إن تم إبرام اتفاق الدوحة في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، ودخلت الهدنة الأولى حيز التنفيذ في 19 من ذات الشهر، حتى تنفست الناس الصعداء، وعادت إلى مدنها ومخيماتها في محافظتي غزة وشمال القطاع، رغم معرفتهم أن بيوتهم مدمرة أو شبه مدمرة، إلا أنها سعت لترميم وتجسير حياتها ضمن الواقع الجديد، حتى يفرجها رب العباد.
لكن استعراضات حركة حماس أثناء الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وفتح الأميركي آدم بولر الحوار المباشر معها بشكل علني، زاد من ظلال الأوهام في أوساط قياداتها، وعمق من جهلها في فن إدارة الصراع مع العدو الصهيو أميركي، وسقطت فريسة وهم البقاء في دوامة الانقلاب الأسود، وذهبت بعيدًا في تشددها، مع أنها أخذت علمًا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بأن كل أسلحتها الموجودة لديها لا تساوي شيئًا، أو بتعبير أدق، صفرًا على الشمال أمام أسلحة الدمار الشامل الأميركية والأوروبية الإسرائيلية، وأغمضت عينيها عما يبيت له بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم بالعودة لدوامة الحرب بدعم مطلق من إدارة دونالد ترمب، ليس هذا فحسب، بل مدتها بأسلحة محرمة دوليًا، والتي رفضت إدارة بايدن السابقة توريدها لإسرائيل، وسهلت عودتها لإلقاء حمم جهنم أبادتها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة فجر الثلاثاء الموافق 18 آذار/مارس الماضي، مما أدى إلى سقوط نحو ألف مواطن بين شهيد وجريح في دقائق معدودات، وعادت دورة الدم والإبادة والكارثة تجتاح أبناء الشعب في القطاع من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق للغرب.
ولا أضيف جديدًا، كان أبناء الشعب في قطاع غزة كفروا بالانقلاب الحمساوي منذ اللحظة الأولى، وتعمق رفض الشعب في محطات مختلفة لاختطاف قيادة حماس قطاع غزة من الشرعية في أواسط حزيران/يونيو 2007، حيث عاثوا فسادًا ونهبًا (قادة وأنصار الانقلاب) لأبناء الشعب، وحولوا القطاع إلى مكان موبوء بالتخلف، والفقر والفاقة، ومرتعًا لانتشار المخدرات وحبوب الهلوسة والدعارة، حتى أمسى القطاع طاردًا للحياة، مما أجبر الشباب على ركوب أمواج البحر والموت وسط الأمواج العاتية والأنواء، كما طوعوا قيادات في القوى السياسية باستخدام أساليب لا إنسانية وابتزوهم بها.
بعيدًا عن تجربة الانقلاب الحمساوي البشعة والعبثية، والمتناقضة مع أبسط قواعد وقيم الشعب الفلسطيني الوطنية، ورغم تحمل الشعب أهوال الفاجعة والإبادة لمدة 16 شهرًا، فاض به الغليان والسخط مما دعاهم عصر ومساء أول أمس الثلاثاء 25 آذار/مارس الحالي إلى الشوارع في بيت لاهيا وجباليا والشجاعية، وهم يرددون شعارات: "برا برا.. حماس برا"، ولا "نريد حكم الإخوان، تجار الدولار" وغيرها من الشعارات المطالبة حركة حماس بتسليم مقاليد الحكم إما لمنظمة التحرير، أو للجامعة العربية، وتسليم المحتجزين للإسرائيليين تحت قيادة الوجهاء والمخاتير ورجال الإصلاح من أبناء المناطق، لنزع الذرائع من نتنياهو وأقرانه. مع أني لا أعتقد أن رئيس الائتلاف الحاكم النازي سيوقف الإبادة الجماعية، إلا إذا طلبت منه إدارة ترمب وقفها.
المهم الشعب قال كلمته، بعدما تعمق كفره وغليانه وسخطه من وجود سلطة حماس الانقلابية، التي هددت وتهدد مستقبل وحدة الشعب والقضية والمشروع الوطني والأهداف والمصالح العليا، وطالبهم بالخروج من دائرة الحكم، وتسليم مقاليد الأمور لمنظمة التحرير والدولة والحكومة. بيد أني أشك، أن تتنازل حركة حماس عن خيار بقائها في دوامة الإمارة الطالبانية، ولهذا قيادة حماس الميدانية والمقيمة في الدوحة، ستعمل من خلال جهاز "مجد" الأمني خلال الساعات والأيام القادمة على ملاحقة رؤوس الحراك، واختطافهم، أو اغتيالهم بوسائل مختلفة، بذريعة أنهم سقطوا نتاج القصف الإسرائيلي إلا في حال توسع نطاق الحراك، وتواصل في كل المدن والمحافظات في آن، وقام كل رب أسرة له ابن في حماس، بمطالبته بالانسحاب من الحركة، وعدم البقاء فيها، وملاحقة جهاز أمنهم "مجد" وعناصر كتائب القسام، وهددوهم بعظائم الأمور، إن لم يسلموا الولاية لمنظمة التحرير.
وبالمقابل على الحكومة الفلسطينية تعزيز وتكريس وجودها فورًا في المحافظات المختلفة، وعلى حركة "فتح" وفصائل المنظمة مساعدة الحكومة على تكريس مكانتها وحضورها في مدن ومخيمات ومحافظات القطاع، حتى لا يكون هناك فراغ في القطاع. الأمر ليس بسيطًا، ولا سهلاً، وإنما معقد وحمال أوجه، لا سيما وأن لحظة انفجار الحراك الشعبي جاءت وسط معمعان جهنم الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي تعمل قياداتها المختلفة على إشعال فتيل الفتنة الداخلية لنقل الحرب الأهلية إلى الداخل الفلسطيني، بدل أن تشتعل نيرانها في إسرائيل، واستغلال ذلك في تسريع التهجير القسري لأبناء الشعب من قطاع غزة. الأمر الذي يفرض وضع رؤية شاملة، وإملاء الفراغ فورًا، وقطع الطريق على حركة حماس ودولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها إدارة ترمب الأميركية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها