نددت الرئاسة الفلسطينية باستئناف العداون الإسرائيلي على قطاع غزة مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان على القطاع. كما وصف بيان الرئاسة تصرفات حماس بأنها غير مسؤولة. وهو وصف أثار حفيظة قيادات حماس الذين سارعوا إلى الدفاع عن حركتهم باعتبارها حركة مقاومة انتصرت في السابع من أكتوبر وفرضت شروطها على العدو، وهي غير مستعدة للتنازل عن هذه الشروط حتى لو تم إبادة ما تبقى من قطاع غزة تبعًا لتصريحات سامي أبو زهري.

في الواقع، هنالك مؤشرات عدة تؤكد أن سلوك حماس هو سلوك غير عقلاني وغير مسؤول تجاه الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي تضمنه بيان الرئاسة، إضافةً إلى نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي أكدت في معظمها بأن حماس تعرض الشعب الفلسطيني إلى خطر الإبادة، حيث تستغل إسرائيل تمسك الحركة بالسلطة وإدارة غزة من أجل استئناف عدوانها على القطاع. وبغض النظر عن التجاذبات السياسية والمواقف السياسية المتعارضة، إلا أن هنالك العديد من المسلكيات التي تدين حركة حماس باعتبار سلوكها السياسي غير مسؤول تجاه الشعب الفلسطيني، ومنها:

1- إن حركة حماس قبلت باتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار في شهر يناير الماضي كان قد عرض عليها في شهر مايو من العام المنصرم، ولو كانت حماس عقلانية لجنبت الشعب الفلسطيني مسلسل الإبادة الجماعية لأكثر من سبعة أشهر.

2- إن حركة حماس وافقت على اتفاق الهدنة الأخير دون أي ضمانات للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو الأمر الذي أتاح لإسرائيل التملص من وقف إطلاق النار واستئناف العدوان مرة أخرى بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق.

3- إن حركة حماس عرضت عناصرها وكودارها للاستهداف الإسرائيلي من خلال مهرجانات تسليم الأسرى الإسرائيليين، وهي تدرك أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحوم في المناطق التي يتم تسليم الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين فيها، إضافة إلى بصمة العين التي تمكن إسرائيل من ملاحقة أصحابها المطلوبين. وكان هدف حماس الأساسي من مهرجانات التسليم هذه هو إظهار أنها انتصرت وهي ما زالت موجودة وقوية وتحكم القطاع حتى لو عرضت كوادرها وعناصرها للاغتيال، وهذا بالفعل ما حدث عندما قامت إسرائيل باستئناف عدوانها حيث تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من اغتيال العديد من الذين شاركوا في عمليات التسليم هم وعائلاتهم.

4- إن حركة حماس لم تلتزم بمقررات القمة العربية في القاهرة، وانفردت بمفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية، وكان هدفها الأساس هو مقايضة الأسرى الإسرائيليين ببقائها في حكم قطاع غزة في إطار دولة مصغرة، وهي تدرك تمامًا أن هذه المطالب لن تتم الموافقة عليها لا دوليًا ولا عربيًا ولا فلسطينيًا، وهو ما أدى إلى فشل المفاوضات وقيام إسرائيل باستئناف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني.

5- برغم مباركة حركة حماس لمقررات القمة العربية في القاهرة، إلا أنها رفضت أي تنسيق أو تشاركية مع السلطة الوطنية الفلسطينية، بل إنها أعادت سيطرتها الجزئية على قطاع غزة ومنعت وزارات السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية من العودة لإدارة قطاع غزة بما فيها معبر رفح من الجانب الفلسطيني.

6- مع بداية انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق سارعت حركة حماس للمطالبة بإدارة معبر رفح دون وجود للسلطة الوطنية وعمدت إلى جباية الضرائب من المواطنيين الذين عانوا الإبادة الجماعية طوال خمسة عشر شهرًا بدلاً من أن تقوم بإغاثتهم وتوفير المنح والمساعدات لهم.

7- منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار، قامت حركة حماس بالاعتداء على المواطنيين في أكثر من منطقة، وأطلقت النار على كل من يعترض على سلطتها للقطاع أو ينتقدها، وكان الأولى بها أن تقوم باحتضان المواطنين والسماع لشكاويهم والاستجابة لاحتياجاتهم بدلاً من فرض القوة عليهم وإجبارهم على الخضوع للسلطتهم.

8- مارست حركة حماس سياسة مقصودة من التضليل والتدليس والبروبغاندا تجاه الشعب الفلسطيني بادعائها أنها حققت أهدافها من السابع من أكتوبر، وأنها انتصرت في هذه الحرب، دون أدنى مسؤولية تجاه الخسائر الفادحة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني من استشهاد وجرح وأسر أكثر من ربع السكان، وتدمير كامل للبنى التحتية في الوقت الذي لم تتمكن حماس من تحقيق أي هدف من الأهداف التي أعلن عنها بيان محمد الضيف للمعركة.

9- سارعت حركة حماس منذ اليوم الأول للعدوان لسرقة المساعدات الغذائية وبيعها في الأسواق بأسعار باهظة برغم أن هذه المساعدات يجب أن تكون مجانية، وبرغم انعدام السيولة عند المواطنين النازحين، مما عرض أرواح عشرات الآلاف من المواطنين النازحين للخطر والمجاعة.

10- قامت حركة حماس بسرقة أموال بعض البنوك الفلسطينية العاملة في القطاع ولم تعد هذه الأموال حتى الآن، مما عرض القطاع المصرفي للانهيار، وكشف ايداعات هذه البنوك، ومنعها من تقديم الخدمات المصرفية. وقادت هذه التصرفات الى انكشاف المواطنين أمام احتكار شبكات الصرافة المحلية وفرضها عمولات باهظة عليهم وصلت إلى 30% يتقاسمها هؤلاء التجار مع حركة حماس.

11- ضلّلت حركة حماس الرأي العام الفلسطيني عندما أكدت أنها منفتحة على الحوار مع الفصائل لتشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني، في الوقت الذي ترفض فيه قطعيًا عودة السلطة الوطنية لادارة القطاع تمهيدًا للانتخابات القادمة. وحتى في ظل لجنة الاسناد المطروحة عربيًا فإن عملها لن يكتب له النجاح في ظل وجود ميليشيا حماس في القطاع. وفي النتيجة، فإن حركة حماس مستعدة نظريا لأي حكومة وطنية توافقية ولكنها عمليًا متمسكة بإدارة القطاع دون تسليم أي من الصلاحيات الأمنية والسياسية لهذه الحكومة. 

في الحقيقة، وكما هو ملاحظ، فإن هنالك العديد من التصرفات المنفردة وغير المسؤولة التي مارستها وتمارسها حركة حماس تجاه الشعب الفلسطيني. وهي بالمحصلة النهائية تعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى خطر الإبادة الجماعية. وعلى حركة حماس أن تدرك بأن اليوم التالي للعدوان يجب أن يكون تحت مظلة منظمة التحرير، ولا يجب عليها أن تتلاعب بهذا الموضوع الوطني لا بشعارت الوحدة الوطنية ولا بشعارات الانتصار. على العكس، على حركة حماس أن تعتذر للشعب الفلسطيني عن مغامراتها العسكرية والسياسية غير المسؤولة وأن تتحول إلى حزب سياسي ينافس في الانتخابات لا أن يقوم بسرقة غزة من حاضنة الدولة الفلسطينية تنفيذًا لأجندات أجنبية.