العقلانية والواقعية السياسية السلاح الأهم والرئيس لدى الشعب الفلسطيني صاحب الحق السرمدي في أرض وطنه فلسطين، حيث لا توازن يذكر بين منظومة دولة احتلال واستيطان عنصرية، تستقوي بأحدث الأسلحة وأشدها فتكًا، على شعب يمتلك مالاً يمتلكه الغزاة، وهو الإيمان المطلق بحقه التاريخي والطبيعي، والحياة على أرض وطنه وإحيائها بوجوده إلى الأبد عليها، وعلى ذلك فإن الذهاب في سبيل غير المقاومة الشعبية السلمية، يعني السقوط بلا وعي في شراك الانتحار الجمعي، وبذلك تتحقق أهداف المحتل الصهيوني من الإبادة الجماعية، فالتشبث بالأرض وبناء الإنسان الفلسطيني، هو الرد الأمثل على المقولة الصهيونية الباطلة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".

فتثبيت وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، لا معنى له، بدون توفير مقومات الحياة الكريمة، وتعزيز الرؤية الوطنية الفردية والجمعية لمعنى الحرية والاستقلال، ودونما تثوير حقيقي بمعنى التغيير الجذري لأنماط التفكير، وتوظيف الوسائل التي تمكنه من إدراك الواقع، وفتح الطرق الأنسب نحو المستقبل، بأعلى طاقة ممكنة، بالاعتماد على الذات، وإرادة القرار الوطني المستقل، وتحقيق الأهداف الوطنية بأقل تكلفة بالأرواح والدماء والنفوس، وبالتوازي استنهاض المجتمع وتحرير العقل الناظم للمجتمع، من المفاهيم الطوباوية المهيمنة، والشعارات والتعاليم المنفصلة عن الواقع والبعيدة عنه قرونًا بمعيار الزمن، وهذا ما كان ويجب أن يستمر، لنتمكن من النجاح، في تثبيت اركان بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، التي تحظى اليوم باعتراف 148 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وما كان لنا تحقيق هذا الانتصار على ادعاء (المنظومة الصهيونية الدينية العنصرية) القائم على نفي الوجود  التاريخي والحضاري والآني للشعب الفلسطيني، إلا عندما اقتنع العالم أننا لا نتسول سلطة، ولا دولة، وإنما ننتزع حقًا اغتصب منا، بمؤامرة دولية معقدة، كنا ضحيتها، وأن الشعب الفلسطيني قد أطلق ثورته المعاصرة، واتخذ الكفاح المسلح كوسيلة، وأن المناضل الوطني الفلسطيني قد قدس نفس الإنسان، ولم يقدس السلاح، الذي كان استخدامه ضروريًا لعبور مرحلة إثبات وجود الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن البقاء في خيمة النزوح لاجئًا إلى الأبد، وأن حقه بتقرير المصير مشروع، ومبدأ أصيل في ثوابت الشرعية الدولية، وعندما بدأ العالم يلمس تحولاتنا النوعية، بعد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وباتت الكيان السياسي، والوطن المعنوي، والدولة (قيد التحقق والانجاز) التي تمثل الشعب الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، العقلانية والواقعية السياسية، لم تكن استجابة لشروط الانضمام والانسجام مع المجتمع الدولي، وإنما انعكاسًا لعقيدة وطنية، استنبط منها المناضل الوطني الفلسطيني، منهجًا نضاليًا سلميًا، سياسيًا، دبلوماسيًا، قانونيًا، ميدانيًا على الأرض، ثقافيًا، اجتماعيًا، واقتصاديًا أيضًا، ما أثبت جدارة حق هذا الشعب بالحياة والحرية والاستقلال، فعقل المناضل الفلسطيني الوطني، منح الثقافة الإنسانية بعضًا من ثرائها. فشجرة فلسطين بدأت فعلاً بالنمو في جنة السلام، لأن جذورها لم تجف، ولم تقدر الصهيونية الدينية العنصرية على اجتثاثها، فهنا على أرض فلسطين الحقيقة، وهناك حيث العالم المؤمن بالسلام يدركها، ويثق بقدرتنا على حصار وإطفاء نيران الجحيم، التي ما أشعلت بقرار وعن سابق تصميم  وترصد، إلا لتحرق أصول وجود شعب فلسطين، الذي كان وسيبقى الحقيقة والحق على هذه الأرض المقدسة. فوجودنا انتصار للسلام، واسترداد لروح الثقافة الإنسانية، المنتصرة دائمًا لمبدأ سيادة عقل الإنسان، القادر على حماية كينونته المقدسة من الفناء.