الهدف الاستراتيجي كان وما زال وسيبقى للثورة الفلسطينية بقيادة "م. ت. ف" هو الأرض والإنسان. فلا مكان إلا فلسطين وبدون الفلسطيني على أرضه وتراب وطنه تسقط كل القيم الثورية، وتسقط المبادئ، والتطلعات للشعوب. المصالح الوطنية تحددها مجموعة من العوامل التي تتناغم مع بعضها البعض لتعكس تطلعاته وآماله المنشودة التي تبنى على الحقوق والثوابت الشرعية للشعب الفلسطيني. وبعد نضال طويل ومرير قامت السلطة الفلسطينية بأجهزتها المدنية والأمنية لتعزز رغبة الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية على الأرض الفلسطينية الدولة لكل الفلسطيني، تلبي أمانيه وتطلعاته وحقوقه المشروعة على أرض فلسطين. السلطة الفلسطينية هي أساس ونواة الدولة الفلسطينية العتيدة. كان الشهيد القائد أبو عمار يقول عن السلطة الفلسطينية: "أنا في مواجهة كل من يتعرض لهذا الوليد" لأن السلطة كانت نواة لإقامة مشروع الدولة الفلسطينية، وأقيمت السلطة الفلسطينية وهي تحمل هذا المشروع للشعب الفلسطيني، لكن المؤامرة على الشعب الفلسطيني كبيرة وأخطر المؤامرات تلك التي تدق في مسيرة الشعوب من الداخل، فالعدو معروف ويمكن أن يتقى خطره أما أعداء الداخل فإنهم المنافقون وهم في الدرك الأسفل من النار هذا وعد الله لهم، ولماذا في الدرك الأسفل من النار؟ لأنهم الأخطر على الشعوب، يأتون ليدمروا البناء من الداخل.  تعرضت المسيرة الفلسطينية إلى زلازل عنيفة أثرت في مسيرة المشروع الوطني الفلسطيني، فقد تم اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية، وإعادة احتلالها وتدمير مقراتها الأمنية عام 1982، وتم تسميم الرئيس الشهيد أبو عمار ليرتقي إلى العلى عام 2004، ومن ثم دق اسفين الانقسام المشؤوم ليفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية عام 2007. وما زالت الأصابع المعروفة والخفية تتلاقى مع مخططات الاحتلال الإسرائيلي في تصفية السلطة الفلسطينية، ليعلن مؤخرًا عن المشروع الإسرائيلي في تقسيم الضفة الغربية إلى أقاليم على شكل كانتونات منعزلة بإدارة جهات محلية ذات علاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتترعرع في اسطبلاته، أضف إلى ذلك إعادة احتلال قطاع غزة وتدمير البشر والشجر والحجر فيه، ويدور الحديث عن مشروع لتهجير سكانه إلى دول يمكن أن تستقبلهم على أراضيها.

إذا كان هذا كله وما لم يذكر أعظم لا يحرك الكل الفلسطيني ليعيد ترتيب بيته، وصفوفه من أجل حماية مصالحه الوطنية، فما الذي يمكن أن يحركه. القاعدة الشرعية تقول: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، وهذا يعني أن الأولويات تطرح نفسها في إعادة اللحمة، وإنهاء الانقسام، ووقف المهاترات، والاتهامات إما بالتخوين تارة وإما بالتكفير تارة أخرى.

لا توجد مقدسات أهم وأولى من وحدة الشعب الفلسطيني وأن يتلاقى الكل الفلسطيني لحماية وجوده على أرضه ومقدساته. أمام تلك الجراح وأمام الشهداء وأمام الثكالى وأمام الجوع والعطش والمرض وأمام العراء تسقط كل الستائر. لا يوجد على الأرض خلفاء لله إلا ما كان في عهد النبوة والخلفاء الأربعة الأبرار. كل ما يقف في وجه إعادة الحياة والأمل وجب أن يتلاشى ليجد الإنسان الفلسطيني طريقه إلى النور والحياة. وإكرامًا لهذه الجراح التي أثخن بها شعبنا من لديه كلمة لا تفي هذا الألم. أن نسقي طفلاً شربة ماء، وأن نطعم جائعًا أولى من كسوة الكعبة، وأن نعالج مريضًا ومصابًا خير من الدنيا وما فيها، لنا أمنية نأمل أن تتحقق كما قال رسول الله صلى عليه وسلم: "قل خيرًا أو اصمت". القدسية هنا للدم الفلسطيني وحرمته، ووحدة الشعب الفلسطيني ونضاله لنيل حقوقه المشروعة.

إن ما يواجهنا هو تحديات جسام وعلى رأسها الحرية والاستقلال، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق الوحدة الوطنية، والحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية، وتحقيق التنمية المستدامة. وفي ظل المعطيات الداخلية وعدم التوافق الوطني متى يمكن لنا أن نحقق تلك الأهداف، هذه تحتاج إلى مناخات مختلفة أساسها الوحدة الوطنية والحوار الوطني البناء، في إطار القرار الفلسطيني المستقل.

حماية المصالح الوطنية الفلسطينية تتطلب أفعالاً حقيقية واستراتيجيات فعالة، وليس مجرد كلام أو شعارات. العمل على تحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيز المقاومة المشروعة، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية بوسائل عملية، هو الطريق الأمثل لمواجهة التحديات. الثبات على المبادئ واتخاذ خطوات مدروسة هو ما يصنع الفرق، وليس كيل الاتهامات والشتائم والتكفير والتخوين، التي لا تقدم شيئًا.