الموجة الثانية من الحرب على غزة والتي اندلعت بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة، وفشل المحادثات بين حركة حماس والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بوساطة مصرية قطرية في الدوحة والقاهرة، تفيد بأنها أشد ضراوة من التي سبقتها ويتخللها إمعان في القتل والتدمير مصاحبة لحالة حرب التجويع والتعطيش وشح في الموارد الصحية والدوائية في قطاع غزة. واستطاعت إسرائيل أيضًا في غضون أيام معدودة الوصول إلى قيادات حركة حماس، وقتل مجموعة منهم، من الواضح أن إسرائيل عملت على جمع المعلومات الاستخبارية عن قادة حماس وتحركاتهم أثناء فترة الهدنة التي سادها الهدوء والتي تم خلالها الإفراج عن أعداد من المحتجزين وأعداد من الأسرى الفلسطينيين.
ويبدو أن هذا الضغط العسكري الذي يدعمه جناح اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، والذي جاء لتحقيق أهداف استراتيجية في الشأن الفلسطيني وفي موضوع الحسم الذي يتزعمه الوزير سيمورتش، وأهم ما يطرحه هذا المشروع هو هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول أخرى يمكن توطينهم فيها. مشروع التهجير هو مشروع قيد الإجراء في منظومة العمل الإسرائيلية، وقد أعلن عن إنشاء وحدة في إطار وزارة الدفاع الإسرائيلية لتسهيل انتقال الفلسطينيين إلى دول أخرى. كما أفادت أيضًا المعلومات عبر وسائل الإعلام أن محادثات أميركية إسرائيلية مع دول في شرق أفريقيا لاستقبال الفلسطينيين رغم رفض السودان والصومال هذا الاقتراح، ويبدو أن ما يسمى أرض الصومال "صوماليا" قد وافقت على استقبال مهجرين فلسطينيين.
وتفيد المعلومات أن مصر قد تلقت رسالة عبر وسطاء عرب بضرورة استيعاب لاجئين فلسطينيين في سيناء بحدود نصف مليون لاجئ، وإلا سوف يتم قطع المساعدات الأميركية عنها. لقد رفضت مصر على مدى خمسة عشر شهرًا منذ بداية العدوان، سياسة تهجير الفلسطينيين، وأعلنت ذلك في لقاءات القمة، وتبنت مشروع إعمار غزة مع بقاء الغزيين على أرضهم دون تهجير، لكن هذا الاقتراح لم يلقي أذانًا صاغية من إسرائيل التي تدفع بقوة نحو تحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط وبناء المنتجعات السياحية دون وجود أهلها عليها، مستندة إلى تصريح الرئيس الأميركي ترامب حول غزة. وهو ما تحاول إسرائيل واليمين الإسرائيلي المتطرف أن يختبئ وراءه لتنفيذ أجندتهم السياسية المتطرفة في الشأن الفلسطيني، لذا فإن إسرائيل عبر الضغط العسكري وجرائم الحرب التي ترتكب، والتهديد بقطع المساعدات الأميركية، هي جزء مهم من أهداف الحرب ولغة الحوار مع مصر لقبول اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.
الظروف الإنسانية القاهرة التي أُجبِرَ الفلسطينيون عليها، بسبب جرائم الحرب والجوع والعطش والعيش دون مأوى وقلة الدواء، قد تدفع البعض إلى الهجرة والنجاة بأنفسهم من الموت، ولكن الهجرة الجماعية من الصعب الدفع بها بالرغم من الظروف التي يعيشها الناس من ضيق في العيش والموت الذي يحيط بهم في كل زاوية، لأن الشعب الفلسطيني عانى الأمرين من الهجرة الأولى بعد النكبة عام 1948.
إسرائيل تسابق الزمن لتغيير الوضع الديمغرافي في الأراضي الفلسطينية كافةً، وتضع مشاريع وحلول ذات طابع إسرائيلي طويل الأمد مع الفلسطينيين، فقد كُشِفَ أيضًا النقاب عن مشروع جديد لتقسيم الضفة الغربية إلى أقاليم منعزلة، وتحاول إسرائيل تمرير هذا المشروع، وأن تبدء به من مدينة الخليل إحدى أكبر المدن في الضفة الغربية، والتي تنتعش فيها العشائرية التي ترغب إسرائيل العمل معها في إدارة الشأن الفلسطيني. وهذا يتطلب استراتيجية فلسطينية متكاملة لمواجهة تلك المشاريع التصفية للقضية الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها