رغم أن القيادة الفلسطينية تعاملت بمرونة عالية مع الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، وحرصت على عدم الرد على الانتهاكات العدوانية المتواصلة ضد شعبنا والقضية والمصالح الوطنية من قبل أركانها مجتمعين وكل على انفراد، بدءً من الرئيس الـ47 وصولاً لآخر عضو فيها، والوقوف بصلف وفجور فائض عن الحاجة خلف حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، لا بل تجاوزت في عدائها وعنصريتها أهداف الدولة العبرية اللقيطة، ليس استسلامًا ولا اذعانًا لمشيئة الإدارة الجمهورية، إنما رغبة منها في ثني ساكن البيت الأبيض وفريقه المتغطرس عن خيارهم المتناقض مع أبسط مبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وتمثلاً بروح الحكمة السياسية، التي تتطلب سعة الصدر، وعدم اللجوء للسياسة الانفعالية غير الإيجابية، واستجابة للتكامل مع السياسة العربية الرسمية، التي هي بالأساس لحماية الشعب ومصالحه العليا، وتجنبًا لأية أخطار قد تنجم عن ردود الأفعال السلبية، وبالتالي الانحناء المؤقت أمام العاصفة الهوجاء الأميركية، بهدف كسر حدة الرياح الشديدة الآتية من الغرب الأميركي المنفلت من كل عقال قانوني ومنطقي.
ومع ذلك، ومع أن الرئيس ترمب تراجع تمامًا عن خطته المجنونة، الداعية للتطهير العرقي والتهجير القسري لأبناء الشعب من قطاع غزة، يوم الأربعاء 12 آذار/مارس الحالي أثناء المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء الأيرلندي في البيت الأبيض، مايكل مارتن، حيث أكد أنه "لا أحد يطرد أي فلسطيني من قطاع غزة". إلا أنه ما زال يواصل العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، لا بل إنه كرر "إساءته" و"إهانته" لمكانته الإنسانية، التي ذكرها في ولايته الأولى2017/ 2021، والعام الماضي أثناء الحملة الانتخابية، عندما وصف الرئيس السابق، جو بايدن، بأنه فلسطيني، عندما وصف تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أمام الصحفيين، بأن "شومر فلسطيني بقدر ما يهمني. لقد أصبح فلسطينيًا. بعد أن كان يهوديًا في السابق، لم بعد يهوديًا الآن". وللعلم فإن شومر، هو أعلى مسؤول يهودي أميركي منتخب في الولايات المتحدة.
هذا التوصيف لزعيم الديمقراطيين الأميركيين، بأنه فلسطينيًا، وليس يهوديًا، حمل التطاول على الرجل، لأنه اتخذ موقفًا إيجابيًا نسبيًا لصالح الشعب الفلسطيني، ورفض مع باقي الديمقراطيين التساوق مع سياسات ترمب المتهافتة المجدفة في الاتجاه المتناقض مع مصالح الولايات المتحدة، ليس ضد الفلسطينيين لوحدهم، إنما ضد العديد من الدول والشعوب، ما أثار غضب وسخط ساكن البيت الأبيض، وكشف عن عنصرية بغيضة ولا إنسانية، بالتمييز بين أتباع الديانات السماوية، وبين بني البشر، حمل امتهانًا لمكانة الشعب الفلسطيني، والتطاول على إنسانيته، وتجريده منها، ومن حقوقه السياسية وكرامته الوطنية. مع أن الشعب الفلسطيني كان وما زال عنوانًا للكرامة الإنسانية الجمعية، ورمزًا للكفاح الوطني التحرري في العالم، ومثالاً للشجاعة والبطولة والصمود في مواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، كونه الشعب الأخير في هذا الكون الذي ما زال يُناضل من أجل نيل حريته واستقلاله الوطني على أرض دولته الوطنية المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا التصريح الخطير والمعيب بحق زعيم القطب العالمي الأول، أماط اللثام عن السقوط المريع لأخلاقية وقيم وديمقراطية الولايات المتحدة، ونزع عن وجهها كل المساحيق الكاذبة بادعاء الديمقراطية، وأغرقها في مستنقع العنصرية الوحشية، وهدد ويهدد مستقبلها كزعيمة للعالم الحر، حيث طالبت كايا كالاس، مفوضة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، باختيار زعيم جديد له، بدلاً من رئيس الولايات المتحدة الحالي.
ودفع تصريح ترمب العنصري قطاعات واسعة من النخب السياسية والبرلمانية عمومًا، ومن أتباع الديانة اليهودية خصوصًا إلى ردود فعل غاضبة، ومظاهرات حاشدة ضده، حتى اقتحمت مجموعات منهم برج ترمب في نيويورك، واعتصموا به، وانتقدت مجموعات الدفاع عن المسلمين واليهود في الولايات المتحدة موقف الرئيس الجمهوري، الذي وصف شومر بالفلسطيني، في امتهان للرجل وللشعب الفلسطيني على حد سواء. وأدانت إيمي سبيتانيك، الرئيسة التنفيذية للمجلس اليهودي للشؤون العامة، تصريحات ترمب، مؤكدة أنها تعكس تحيزًا غير مقبول. كما انتقدت هالي سويفر، الرئيسة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي لأميركا تصريح الزعيم الأميركي. وقال نهاد عوض، المدير التنفيذي الوطني لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية: إن "استخدام ترمب لمصطلح فلسطيني كإهانة، هو أمر مسيء ولا يليق بمنصبه". وأضاف: أن تعليقاته تعكس "التجريد المستمر من الإنسانية" للفلسطينيين. وغيرها من ردود الفعل التي لم تتوقف حتى الآن.
في النتيجة عنصرية ترمب تؤكد، أنه ليس زعيم الدولة الأولى عالميًا، إنما هو زعيم عصابة عنصرية فاقدة الأهلية في إدارة حي في إحدى الولايات، وليس زعيم الدولة العظمى. وبقدر ما أساء وأهان الشعب الفلسطيني، بذات القدر وأكثر أعطى مصداقية لمكانة الشعب والقيادة الفلسطينية في الأوساط الأميركية خصوصًا والعالم عمومًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها