للأسف، لم تمض أيام على نجاح القمة العربية في اقتراح خطة عربية للرد على خطة التهجير، إلا وقامت حركة حماس بالدخول في مسار مفاوضات منفرد مع الإدارة الأميركية، نسفت فيه كل مقررات القمة العربية في القاهرة، والتي تضمنت توافقًا عربيًا على الخطة المصرية الفلسطينية لإعادة إعمار قطاع غزة، وتشكيل لجنة إسناد مجتمعي ترتبط بمرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية، وتمكين الأجهزة الأمنية الفلسطينية حتى يتم توليها إدارة شؤون القطاع.
وبرغم أن هذا التوافق العربي نجح بالتصدي لخطة التهجير التي اقترحها الرئيس الأميركي ترامب، والذي سرعان ما تخلى عنها في تصريحاته الصحفية قبل يومين مؤكدًا أنه لا يرغب بتهجير الشعب الفلسطيني، إلا أن المسار المنفرد الذي انتهجته حماس بالتفاوض مع مبعوث الرئيس الأميركي للرهائن آدم بوهلر جاء بمثابة تحدٍّ حقيقي لمخرجات القمة القمة العربية.
وبرغم تراجع الإدارة الأميركية عن هذه المحداثات المباشرة، إلا أن المفاوضات غير المباشرة استمرت بين الطرفين من خلال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. لقد حدد ويتكوف في جولته التفاوضية الأولى في المنطقة مسارًا لإنهاء القتال من خلال تطبيق أسس عدة، أهمها خروج قوات حماس من القطاع، وإنهاء حكمها للقطاع، وتسليم المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة، وذلك مقابل تسليم المساعدات للشعب الفلسطيني وانسحاب إسرائيل من القطاع مع وقف الأعمال العسكرية.
والغريب في الأمر أن مواقف حماس في هذه المفاوضات كانت خارجة ليس فقط عن مقررات القمة العربية، وإنما أيضًا عن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، حيث أصرت الحركة على أنها لن تسمح للسلطة الوطنية ولا لأي جهة كانت بحكم قطاع غزة، وأنها مستعدة لتوقيع هدنة طويلة الأجل لمدة لا تقل عن ثلاثين عامًا تضمن فيها أمن إسرائيل، وتتحول بموجبها إلى حزب سياسي يدعو إلى السلام والتنمية والاستقرار. كما أنها طالبت الولايات المتحدة بمساعدتها في تشكيل دولة فلسطينية تحت حكمها في القطاع أو في أي جزء منه (تقول التسريبات بأن الدولة المقترحة من قبل حماس هي دولة مصغرة تقع بين مدينة غزة وخان يونس). وللأسف، فإن كل هذه المطالب لا تتوافق مع مقررات القمة العربية، بل إنها تعمل على إفشالها.
يبدو أن الفجوة كبيرة بين المطالب الأميركية ومطالب حركة حماس، مما حد بويتكوف الذي شارك في مفاوضات الدوحة مؤخرًا إلى اقتراح خطة مؤقتة لاستمرار وقف إطلاق النار لأسابيع عدة مقابل تسليم المساعدات والإفراج عن عدد محدود من المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات. بكلمات أخرى، فإن مسار ويتكوف الثاني يقترح هدنة مؤقتة مقابل المساعدات والأسرى فقط وليس حلاً نهائيًا للنزاع.
في الواقع، لم أستغرب موقف حماس هذا، بل إن آخر استطلاع رأي قامت به الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد ستنشر نتائجه الرسمية يوم الأحد، يشير إلى أن حركة حماس لن تسهل تطبيق مقررات القمة العربية، ولن تسهل كذلك تمكين السلطة الوطنية صاحبة الشرعية في تولي الحكم وإدارة قطاع غزة. والأسئلة التي تطرح نفسها في ظل هذا التعنت الحمساوي هي: هل تمسك حركة حماس بإدارة قطاع غزة يساوي في ثمنه استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال في قطاع غزة؟ ولماذا تصر حركة حماس على استمرار حكمها للقطاع وهي التي أدخلت القطاع في خمس حروب لم تحقق منها سوى القتل والإبادة والتدمير للشعب الفلسطيني؟ ألم يحن الوقت لهذه الحركة أن تراجع استراتيجياتها وتعترف بفشلها؟ ولماذا يتغنى قادة حماس بالوحدة الوطنية والمصالحة ويحملون حركة "فتح" المسؤولية عن فشل جهود المصالحة في الوقت الذي يذهبون فيه إلى مفاوضات مباشرة مع الأميركيين تحت شعار لا سلطة وطنية في القطاع. وهل تتوقع حركة حماس إذا ما أصرت على موقفها هذا من الدول العربية المساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة وتنفيذ مقررات القمة العربية في الوقت الذي أصرت فيه هذه الدول على موقفها الداعم لعودة السلطة الوطنية للقطاع ومشاركتها في جهود إعماره؟.
هذه الأسئلة وغيرها يجب أن يتم مناقشتها من قبل قيادة حماس، ومن ثم الخروج باستراتيجيات جديدة ومفيدة ليس لعناصرها وإنما للشعب الفلسطيني. هذه القيادة الحمساوية التي تتناقض تصريحاتها وتختلف في روايتها هي التي باركت مخرجات القمة العربية، ولكن للأسف هي أول من خرج عن هذه المقررات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها