تحت سمع وبصر العالم يسود صمت مطبق على كل الذي يجري في فلسطين من إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المجحفة، صمت لربما لأن العالم يعتقد بأن الشعب الفلسطيني زيادة على المنظومة الذهبية البشرية والإنسانية، فالشعب الفلسطيني ليس صاحب بشرة بيضاء وعيون زرقاء ليهب هذا العالم ويوقف العدوان على  الأطفال والنساء والشيوخ. في ظل ذاك الصمت يجري قتل وتدمير وتجويع وتعطيش بهدف التركيع بلا هوادة، والقبول بمخططات الاحتلال في الضم ومصادرة الأراضي وتهويد المقدسات والاستيطان. هذا الصمت يمكن تفسيره بأنه يتمتع بوظائف متعددة تمرر من خلالها كل محظور، وغير عقلاني.
في ظل هذا الصمت الدولي سكان قطاع غزة لا يجدون ما يقتاتون منه، ويُمنع عنهم المساعدات الإنسانية. حرب بلا هوادة نيران الطائرات وحرب التجويع التي منعت عنهم الغذاء والدواء والكهرباء والمياه. وهم بعد أن فقدوا بيوتهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. وهذا يعني أن من لم يمت بالسيف وجب أن يموت بغيره، فقد صدر قرار موته جوعًا وبردًا وعطشًا.

وفي الضفة الغربية اليوم ودون أي أسباب ومبررات تم عسكرة الوضع فيها فقد باتت تمخر الدبابات والجرافات الثقيلة وناقلات الجُند والمسيرات شوارع المدن وتهدم البيوت، وتدمر البنية التحتية لتلك المدن، وتغير معالم المخيمات، وتعمل نيران الدبابات برشاشتها الثقيلة على بيوت المواطنين العزل،  حالة من الهذيان والجنون أصاب هذا الاحتلال الذي يُسابق الزمن في تغيير ملامح الوطن الفلسطيني والمواطن تحت الحرب والإرهاب والتهجير وكل إجراءات هذا الاحتلال وسط صمت الصامتين في هذا العالم.

الذي يدور على أيدي الاحتلال من جرائم أهم بكثير مما يسوق له، إن الصلوات تجري وتنقل على بعض الفضائيات في شهر رمضان الفضيل، وكأن الأقصى بخير وكأن المقدسات الإسلامية بخير، لا شيء بخير في ظل الاحتلال وحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، في ظل الاحتلال المجرم لا شيء يحمي المقدسات. فالاحتلال يفرد عضلاته بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الناس الذين لا حول لهم ولا قوة. السياسات الإسرائيلية التي تجري، تهدف إلى تهويد الأرض الفلسطينية والمقدسات. وفي سبيل ذلك يفرض الحصار، ويمنع التنقل والحركة، ويحاصر بيوت الله وكل ذلك تم شرحه وتبيانه من خلال الخرائط التي تتحدث عن كل هذه الإجراءات. أضف إلى أن الحصار يؤدي إلى التجويع وإلى الفقر والموت المحتوم. كل هذا يجري بعلم هذا العالم ويمر تحت سمعه وبصره، ولكنه يفتقد إلى الاحساس، ولربما إلى الإنسانية. 

 ترفع القبعات عاليًا لشعوب العالم التي وقفت منددة بجرائم الحروب، واحتجت واعتصمت ووقفت في وجه الظلم والعدوان، منذ بدئه على شعبنا الفلسطيني لم يهدء الشارع في كل دول العالم منددًا في العدوان والظلم الذي يتعرض له أبناء شعبنا، وتلك الإجراءات التي يمارسها الاحتلال والتي تصيب الإنسان في مقتل، وانتصارًا للحق والعدالة والحرية. لقد انتصرت الشعوب لعقيدتها ومبدئها التي تدرك معنى الديمقراطية والحرية، لكن ما زال هذا الحراك ينمو ويتسع ليساند الحق والعدالة وينادي بوقف العدوان، وتأثير هذا الحراك يحتاج إلى وقت طويل، ليؤثر في سياسات الدول الظالمة والمستبدة.

ولا سيما أن الأنظمة الحاكمة الاستعمارية في هذا العالم، قد أصابها الصمم والصمت الرهيب، والسبب هو أنها تكيل بمكياليين، وتتحالف مع الشيطان ضد الشعوب المغلوبة وضد الحرية والعدالة والديموقراطية.
وفي ظلال صمت الصامتين يقع كل محظور من جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، والتطهير العرقي وجرائم التجويع والإبادة الجماعية. الحرب على الشعب الفلسطيني هو قرار صهيوني بامتياز مع تحالفات دولية لتحقيق أهداف ومكاسب أو لربما إعادة رسم خريطة النفوذ الاستعماري لهذا العالم. نحن الفلسطينيون نعيش في عالم يرى ويسمع كل هذه المظالم وتلك الجرائم ضد الإنسانية ولا يفعل شيئًا. وفي ظل هذا الصمت يبدو أنه يتم صباغة واقع جديد في المنطقة، حيث أن هذا الصمت له وظائفه ومبرراته الاستعمارية.