لا تحتمل اللحظة الراهنة التي تشتد فيها عدوانية الاحتلال الإسرائيلي، بغاياتها التدميرية للقضية الفلسطينية حقوقًا مشروعة، وأهدافًا عادلة، وتطلعات إنسانية نبيلة، لا تحتمل هذه اللحظة أي استعراضات، وأي فذلكات وأي تنظيرات فكرية، أو سياسية، أو حزبية.

اللحظة الراهنة لحظة فارقة بقدر ما هي اللحظة التي تحض على السعي الأصيل لتجسيد الوحدة الوطنية الفاعلة، تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وتكريس الخطاب السياسي الفلسطيني الواحد الموحد، تجاه مجمل التحديات، والمخاطر الجسيمة التي تهدد مستقبل المشروع الوطني التحرري، وبلا أي تطبيل فئوي، ولا أي شعارات حزبية.

القضية الفلسطينية اليوم، تحت أشد نيران الاحتلال، وحلفائه، وأعنفها، وليست النيران الحربية فقط وإنما السياسية كذلك وهي الأكثر خطورة، وما من سبيل لمواجهة هذه النيران، ودرء مخاطرها، بل وهزيمتها، بغير الوحدة الوطنية، الخالية من الغايات الحزبية، والتمويلات والتمحورات الخارجية.

المجلس المركزي، لمنظمة التحرير الفلسطينية، على أهبة الانعقاد في الثلث الأخير من الشهر المقبل، ولا نرى جدولاً لأعماله لا ينطوي على ما تفرضه اللحظة الراهنة، ضرورة الرؤية الصائبة، والنقاش المثمر بلا أي مماحكات، من أجل مخرجات لا ترتجي غير خدمة المصالح الوطنية العليا، خدمة الصالح العام، تعزيزًا لطريق النضال والبناء معًا، ولا بد من النقد الموضوعي في كل هذا السياق، النقد الكفيل بتسمية الأشياء بأسمائها، والساعي لنبذ الإنشاء اللغوي، وخرافات الشعارات الثورجية، والتحليقات الرومانسية في فضاء العالم الافتراضي، ولنعلن بلا أي مبالغة: دقت ساعة العمل، ساعة التجديد، والتطوير، والإصلاح، للمؤسسة، والنفوس معًا.

إنها ساعة المواجهة، وساعة الخطوة الاستراتيجية، نحو استكمال مهمات مرحلة التحرر الوطني، وتحقيق أهدافها في انتزاع الحرية، وتحقيق الاستقلال. وعلى من لا يرى ذلك عليه التنحي جانبًا، فلسنا في بحبوحة من الوقت لهدره في جدلٍ عقيم، ومن باب النصيحة ندعوه أن يقرأ جيدًا معادلة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة" التشاؤم خطوة إلى الوراء، بينما التفاؤل ليس خطوة إلى الأمام فحسب بل هو إرادة التقدم، مهما كانت الصعوبات، والعراقيل، كما أنه أساس النضال الوطني، محمولاً على المعنى الصحيح للنضال، بلا ملابسات ولا تخريفات لغوية، وحيث القيم الوطنية هي الناظم لهذا الأساس، بمفاهيمها، وسلوكها، وسياساتها.

وبتفاؤل الإرادة نفهم معنى ما قاله الشاعر محمود درويش الذي لن ننساه أبدًا، بل ما أعلنه كبيان من بيانات الطبيعة الفلسطينية، وإرادتها حين قال: "صهيل الخيول على السفح/إما الصعود وإما الصعود".