الثبات على المبادئ ذات الجذور الإنسانية، التي لا يختلف عليها عاقلان من أمة الإنسان، أولها في القائمة الحرية، وإبداع الوسائل النبيلة لتجسيدها، تتطلب حكمة وشجاعة، ودهاء وذكاء، متوجًا بمعرفة شاملة للواقع، ولأدق التفاصيل لدى الجبهة الأخرى، خاصةً تلك التي تتبنى وترتكز على تعاليم مشبعة بالتمييز العنصري، ابتدعت ونسبت إلى عقيدة ما، لكنها في حقيقتها، جملة من الأهواء والرغبات المقطوعة الصلة مع القيم الأخلاقية الإنسانية. أما الامتحان الحقيقي للثابت على المبادئ، فيكمن في كيفية تفويت الفرص، باليقظة والهدوء، والحفاظ على التوازن، متسلحًا بشرائع وقوانين، وأخلاقيات يعتنقها المؤمنون بمكانة إنسانيتهم، وقداسة نفوسهم، وأرواحهم، القادرة على تجديد الحياة وحمايتها، بمسؤولية لا محدودة، سعتها الإيمان المطلق بعقيدة السلام، وضمان استمرارها وتطورها لتناسب الأجيال، التي يجب العمل بإخلاص على تجنيبها الوقوع في حقل ألغام المتخندقين على (الجبهة الأخرى) المشبعين حتى الثمالة، بتعاليم إفناء الآخر، واقتلاع الجذور الإنسانية الحضارية، لغرس نباتهم السام القاتل.
المواجهة المباشرة، بوسائل وأدوات القتال، لا تبيح مشروعيتها، المؤيدة بأخلاقيات ونبل الكفاح الإنساني إزاحة المبادئ، أو احتلال مقامها السامي، فالثابت على المبادئ، أقوى بعقلانيته، ورؤاه الواقعية، المعتد بتراثه الإنساني الحضاري، الحافظ حقه للأبد. فأن يكون المرء رئيسًا للسلام، إنسانًا بفكره ومنهجه، وعمله وسلوكه، مخلصًا صادقًا، في تجسيد مبدأ الحياة، أصعب – بدون وجه للمقارنة - من أن يكون بطلاً في ميادين معارك وحروب، باتت إحدى أبواب الكسب من تجارة الموت، والتملق لأولياء نعمتهم، بإهداء انتصارات وهمية (لسادة الفرس في طهران)، وهم على يقين أن كبيرهم يستخدمهم وليس من الأتقياء. فلا فخر عندهم جميعًا، إلا التغني بمئات آلاف الاطفال والنساء والشيوخ والشباب الأبرياء، ضحايا لعبة الموت التي لا يتقنون غيرها، ويلعبونها على أرض مركز العروبة (فلسطين). وكأنهم في منافسة مع محترفي الغزو، والإبادة، واقتلاع الشعوب من أوطانها، فهؤلاء يغذيهم الوهم، أما الثابت على المبادئ، فإيمانه بالحقيقة الفلسطينية، كإيمانه بقداسة الحياة السرمدية.
بالأمس وقف الرئيس أبو مازن، رئيس السلام، الثابت على الحق والمبادئ، رئيس الشعب الفلسطيني، على منبر أمة إفريقيا في قمة دولها في أديس أبابا، عاصمة أثيوبيا، وقال كلمة الفصل الفلسطينية، التي لا تعقيب عليها، وغير القابلة للنقض، فربما يستفيق اللاعبون بمصائر الناس في الدنيا، من نشوة أوهامهم، ويكتشفون أن الحقيقة الفلسطينية، كالحق، لا تنصهر، لا تذوب، ولا تنكسر، فاسمع من يجب أن يصله معنى الثبات على الحق فيصغي ويتمعن ويسمع: "سيكون واهمًا من يعتقد أن بإمكانه فرض صفقة قرن جديدة، أو تهجير شعبنا والاستيلاء على أي شبر من أرضنا، فاليوم يعيش في قطاع غزة، مليونان وثلاثمائة ألف فلسطيني منهم مليون ونصف لاجئ من الذين هجروا من أرضهم في عام 1948، وتعرضوا خلالها إلى أكثر من 50 مجزرة على أيدي العصابات الصهيونية الإرهابية، والمكان الوحيد الذي يجب عودتهم إليه هو مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها إبان النكبة، تنفيذًا للقرار الأممي رقم 194، الذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها وتعويضهم عن كامل الأضرار التي لحقت بهم".
نبه رئيس السلام الفلسطيني الحق، إلى مشروع جريمة ضد الإنسانية يُراد بها حَرف بصائر وضمائر الناس في الدنيا عن جريمة الإبادة الجماعية الواقعة فعلاً في فلسطين، فخاطب العالم عبر منبر إفريقيا كاشفًا عن أهداف الجريمتين بقوله: "تخرج علينا دعوات لانتزاع شعبنا من أرضه وتهجيره، والمساس بسيادة دول أخرى، هدفها إلهاء العالم عن جرائم الحرب، والإبادة الجماعية والتدمير في غزة، وجرائم الاستيطان والمستوطنين الارهابيين، وسرقة الأرض، ومحاولات ضمها، والاعتداء على المقدسات في الضفة والقدس، بهدف إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، وتقويض حل الدولتين". ولا أراه في هذا الثبات القوي إلا وكأنه يبعث برسالة لمن يهمه الأمر: نحن نعلم، نحن نعرف، ما تخططون، وأهداف أفعالكم وجرائمكم، ونحن واعون ويقظون، ومستعدون، ومعنا الإنسانية العاقلة المنتصرة للخير والسلام، ونحن مؤمنون بحقنا في وطننا بلا حدود، فنحن والأزل هنا، نصد صفقات الواهمين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها