المقصود بتعويم واقع الشعب الفلسطيني، بأن يتم تحويل الفلسطينيين إلى مجموعة بشرية ممزقة لا قيادة واحدة معترف بها لهم، ولا هدف واحد يجمعهم، ولا مصالح مشتركة يدافعون عنها، أي ترك الشعب الفلسطيني يغوص بخلافاته الداخلية، وخلق مزيد من المجموعات ومعها مزيد من الخلافات.
صحيح أن الأعداء المباشرين عملوا على أن يبقى واقع الشعب الفلسطيني معممًا، هذا الأمر كان قبل نكبة العام 1948، وأصبح أكثر وضوحًا أثناء شحدوث النكبة، عندما تم شل فاعلية قيادة الشعب الفلسطيني، ومصادرة قرارها الوطني، وكان قبل ذلك، خلال ثورة العام 1936 - 1939، والتي انتهت بإنهاك الشعب الفلسطيني، باقتصاد ومقدرات مدمرة وقيادته مشتتة خارج فلسطين، ومنقسمة على نفسها. وهناك رأي يقول أن النكبة بدأت عمليًا في ذلك الوقت.
وفي الفترة ما بين منتصف ثلاثينيات القرن العشرين وحتى حصول النكبة الكبرى، ساهم بعض العرب في تعميق انقسام الفلسطينيين، وبدل أن يتحد العرب يسهموا في توحيد الشعب الفلسطيني وقيادته، انعكست خلافاتهم فيما بينهم على الواقع الفلسطيني، مما ساهم في تعميق أزمات الشعب الفلسطيني، وتحويله خلال حرب 1948 إلى شعب تائه لا يثق بقيادته ولا بغيرها، مما سهل مهمة بن غوريون في حينه في تنفيذ خطة دالت للتطهير العرقي بأقل الأثمان.
اليوم نواجه حالة مشابهة، فهناك مخاطر حقيقية لتعويم واقع الشعب الفلسطيني، تمهيدًا لتنفيذ مرحلة أخطر وحاسمة من التطهير العرقي في غزة والضفة وربما القسم الأكبر من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، قد يحدث ذلك بشكل فج ومريع وسريع، أو يحدث بالتدريج وعلى مراحل. مسألة تعميم واقع الشعب الفلسطيني وإضعاف قيادته كانت ملازمة للنضال الوطني الفلسطيني طوال الوقت، لكنها كانت محمومة في العقدين الأخيرين، محاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها، حصول انقلاب حماس في قطاع غزة عام 2007، ورعاية نتنياهو وأطراف عربية للانقسام، فرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني لم يخف أهدافه ولا استراتيجيته من إطالة أمد الانقسام وفصل قطاع غزة عن الضفة، وإضعاف السلطة الوطنية والدفع إلى انهيارها، لأن وجود السلطة بحد ذاته سيبقي الباب مفتوحًا لاحتمال أن يبقى حل الدولتين قائمًا وهو ما يرفضه نتنياهو واليمين الإسرائيلي قطعيًا.
إن أي حريص على القضية الفلسطينية في هذه المرحلة المصيرية بالضرورة أن يعزز القيادة الفلسطينية الشرعية المعترف بها عربيًا ودوليًا، قد تكون السلطة والمنظمة ليستا بأفضل حالاتهما، ولكن الأولوية اليوم بالضرورة أن تكون لشد أزر منظمة التحرير والسلطة الوطنية، لا لمشاركة نتنياهو في حصارها سياسيًا وماليًا وإضعافها، أما مسألة الإصلاح فيمكن أن تتم عبر تمكين السلطة لا عبر إضعافها.
وضمن مسار لا يسهم بتعويم واقع الشعب الفلسطيني وجعله بلا قيادة قوية. ربما علينا أن نلحظ أنه لا يمكن منع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، إلا من خلال موقف عربي موحد ووجود قيادة فلسطينية معترف بها ومقبولة من المجتمع الدولي، وكلاهما العرب والفلسطينيون أن يكونا مسلحين بخطة عملية قادرة على إفشال مخطط التهجير، أما الاعتقاد بأنه يمكن القيام بذلك بدون مساهمة الشعب الفلسطيني، وأن يكون شعبًا محصنًا وموحدًا وله قيادة مدعومة عربيًا ودوليًا، فهو اعتقاد خاطئ تمامًا.
المسألة ليست مسألة أشخاص، إنما هي مسألة كيان سياسي، مؤسسة سياسية معترف بها، ومن الضروري أن يكون الرئيس محمود عباس على رأس هذه القيادة، لما يتمتع به من مصداقية ورمزية، والعبور معه هذه المرحلة الصعبة، وأن أي حديث عن عملية إصلاح حقيقية يجب أن تتم من خلال المؤسسات الوطنية لا من خارجها، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية. وعندما تتبدل الظروف يمكن أن يختار الشعب الفلسطيني أي نظام سياسي يريد بمحض إرادته وعبر صناديق الاقتراع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى دعوة عزمي بشارة لعقد مؤتمر شعبي فلسطيني، بحجة إصلاح المنظمة، توقيت عقد هذا المؤتمر يثير العديد من التساؤلات، لأن عقده يسهم من دون شك في تعويم واقع الشعب الفلسطيني وتمزيقه وتعميق انقساماته، فالسؤال: أي فائدة ترجى من هذا المؤتمر هل بالفعل يمكن إصلاح المنظمة من خارجها؟ هناك دعوة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي للانضمام للمنظمة، وهناك مجال لكافة الفصائل من أن تعمل من داخل المنظمة، أن تتفق فيما بينها على خارطة طريق تقود لانتخابات تشريعية ورئاسية، ومن يختارهم الشعب يقودونه. إن أي حديث عن الإصلاح يحتاج بالأساس أن يبقى الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، فالمهمة الرئيسية اليوم هي أن نتحد ونوحد جهودنا لمنع التهجير. لا لمزيد من التشرذم وهو ما لن يقود لأي إصلاح على الإطلاق.
المدخل الوحيد للإصلاح هو من داخل منظمة التحرير الفلسطينية وليس بخلق أطر موازية تسهم في تشويه المشهد الفلسطيني، وتزيده تعقيدًا، المسألة واضحة، ولا يمكن السكوت عن أي خطوة من شأنها أن تعوم الواقع الفلسطيني وتخلق بيئة تسهم، أو تسهل مهمة دعاة التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، من هنا ندعو ليكون للشعب الفلسطيني صوت واحد موحد ربما نستطيع معًا أن نعبر المرحلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها