السياسة هي فن إدارة الأزمات، وميزان دقيق بين المبادئ والمصالح، وبين الواقع والطموح. لكن عندما تقع القيادة السياسية في مستنقع الغباء السياسي، فإنها تتحول من أداة لبناء الأوطان وتحقيق أهداف الشعوب إلى معول هدم يهدد مصيرها. وفي بعض الحالات، يمكن اعتبار هذا الغباء السياسي شكلاً من أشكال الخيانة العظمى، خاصة إذا تسبب في تدمير آمال الأمة وأرواح أبنائها.

- مفهوم الغباء السياسي

الغباء السياسي لا يعني قلة الذكاء الفردي للقيادات، بل يشير إلى انعدام القدرة على قراءة الواقع، واتخاذ القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العامة. وهو غياب الرؤية الاستراتيجية، والتمسك بمواقف جامدة وغير واقعية، فضلاً عن تجاهل تداعيات السياسات الخاطئة على الشعب الذي تتولى تلك القيادة زمام أموره.

- حماس كمثال للغباء السياسي المدمر

قيادة حركة حماس يمكن أن تقدم نموذجًا واضحًا لهذا النوع من الغباء السياسي الذي يرتقي إلى درجة الخيانة العظمى. فمنذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، انتهجت الحركة سياسات انعزالية وغير واقعية، قامت على تصعيد الصراع دون توفير أدوات حقيقية للنصر، مما أدى إلى كوارث متتالية للشعب الفلسطيني.

1. الانفصال عن المشروع الوطني الفلسطيني: بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، تسببت سياسات حماس في انقسام فلسطيني حاد، أضعف الموقف الفلسطيني على المستوى الدولي والإقليمي. وأصبحت القضية الفلسطينية أداة بيد القوى الخارجية لتحقيق أجنداتها الخاصة.

2. القرارات العسكرية غير المحسوبة: على الرغم من تفاوت موازين القوى مع الاحتلال الإسرائيلي، اتخذت حماس قرارات عسكرية أدت إلى حروب مدمرة، كان الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر فيها. الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والضحايا من المدنيين، يكشف غياب الاستراتيجية الواضحة لدى الحركة. بل والقفز أيضًا على قوانين إدارة حروب التحرر الوطني من المستعمر والمتمثلة أصلاً  بمبادئ وقواعد حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد والانتقال إلى قواعد الحروب الكلاسيكية النظامية  التي يحسمها دائمًا من في صالحه التفوق العسكري وميزان القوى العسكرية على الأرض. والمحتل دائمًا لصالحه وحلفاؤه.

3. التبعية للقوى الخارجية: عوضًا عن بناء قرار وطني مستقل يخدم القضية الفلسطينية، انحازت حماس إلى تحالفات إقليمية أضرت بمصالح الشعب الفلسطيني. مثل  التبعية لإيران وتركيا، على سبيل المثال، على حساب الحاضنة الوطنية والقومية العربية، وجعلتها هذه التحالفات أداة لتنفيذ سياسات تلك الدول على حساب القضية الفلسطينية.
لأن تلك الدول ليست جمعيات خيرية أو تبشيرية وإنما ذات مصالح وطنية وقومية بالأساس، تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية والقونية أولاً وأخيرًا، ومن يظن بغير ذلك فهو واهم وغشيم في العمل  السياسي ولا يستحق أن يكون في المراكز القيادية.

4. إدارة داخلية كارثية: وعلى الصعيد الداخلي فشلت حركة حماس في إدارة قطاع غزة منفردة ومنعزلة طيلة ثمانية عشرة عامًا من انقلابها على السلطة والنظام السياسي الفلسطيني، فشلت الحركة في تحسين حياة سكان قطاع غزة وأدت إلى هجرة أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني من قطاع غزة أثناء فترة حكمها، وخاصة من فئة الشباب، حيث ما زال القطاع يعاني من حصار خانق، وارتفاع في معدلات البطالة والفقر، وسوء الخدمات الأساسية.
القيادة التي تعجز عن تحسين أوضاع شعبها، بل تزيدها سوءًا، تفقد شرعيتها الأخلاقية والسياسية والقانونية، لقوله تعالى (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

- متى يصبح الغباء السياسي خيانة؟.

عندما تضع القيادة السياسية أي قيادة سياسية لمجتمع ما (مصالحها الفئوية أو الإيديولوجية فوق المصلحة الوطنية، وتدفع شعوبها نحو الهاوية)، فإن ذلك الغباء السياسي يتحول إلى خيانة عظمى.
حماس بسياساتها المدمرة، أسهمت في تدمير عناصر الصمود الفلسطيني بل وفي تدمير الحلم الفلسطيني بالحرية والعودة والاستقلال وقيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا يتماشى ويتوافق  مع أهداف العدو الصهيوني في القضاء على كافة أسباب وعناصر الصمود للشعب الفلسطيني فوق أرضه  وتهيئة أوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة وغيرها إلى الهجرة والتهجير، وفق مخططات الكيان الصهيوني وبالتالي قتل حلم قيام الدولة الفلسطينية، ومن ثم تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية وقانونية، وقضية تحرر وطني عالمية، إلى ملف إنساني يعالج بالإغاثة والمؤتمرات الدولية للغوث والإعمار.

- خاتمة: الغباء السياسي لا يعفي صاحبه من المسؤولية.

القيادات التي تتسم بالغباء السياسي لا يمكن تبرئتها بحجة النوايا الحسنة أو الظروف الصعبة.
القيادة الحقيقية تظهر في أوقات الأزمات، وتتمثل في اتخاذ قرارات شجاعة وصائبة ومدروسة تخدم الشعب ومصالحة، حتى لو تطلب ذلك التراجع عن مواقف فئوية وهوية وأيديولوجية جامدة.
حماس اليوم مطالبة بمراجعة سياساتها وشبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية جذريًا، لأن استمرارها في هذا المسار وهذا النهج الذي سارت عليه منذ نشأتها وتأسيسها إلى اليوم، باتت نتائجه واضحة، فقد خدمت العدو  في مفاصل عديدة، سواء أدركت ذلك أم لم تدرك، وتماشت مع أهدافه ومخططاته التي يسعى جادًا لتنفيذها في اغتيال أسباب الصمود للشعب الفلسطيني وسعيه لتهجيره إلى خارج وطنه كي يكمل العدو مخططه العنصري الإحلالي الإستيطاني بقيام دولته على كامل إقليم فلسطين وتصفية القضية والشعب الفلسطيني بنسائه ورجاله.
وإلا هذا يعني مزيدًا من استمرار الدمار لقضية الشعب الفلسطيني وتدميرًا لأحلامه والقضاء على طموحاته في الحرية والعودة والاستقلال وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.