"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" هذه الآية الكريمة مرت في خاطري، وأردت أن أكتب إلى القراء الكرام وعموم شعبنا الفلسطيني والعربي، بعد شهور طويلة من الحرب التي تشنها حكومة الاحتلال على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان. والذي استعمل فيها أحدث الذخائر وأثقلها والتي أعدت لمواجهة أعتى الجيوش وأقواها لتلقى بها المدافع والطائرات على المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة، وخلفت آثارًا ودمارًا لا يصدقه عقل.

لقد أحدثت تلك الذخائر زلزالاً هائلاً من الدمار والقتل الذي يصعب وصفه، ولكن نستطيع أن نقول أينما سقطت تلك الذخائر جعلت من البيئة التي سقطت فيها منطقة غير صالحة للحياة، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الخسائر البشرية في قطاع غزة تزيد اليوم عن مئة وخمسين ألف بين شهيد وجريح، وفي لبنان تم إزالة سبع وثلاثون قرية عن الوجود من قرى جنوب لبنان، ونال بيروت ما نالها من تدمير للبيوت والمؤسسات وأعداد الشهداء والجرحى. وناهيك عن النازحين الذين بلغ عددهم في غزة أكثر من اثنين مليون مواطن تارة ينزحون من مكان إلى آخر وفق عمليات الجيش الاسرائيلي في غزة، وفي لبنان نزح أيضًا أكثر من مليون ونصف مواطن شكلوا مصدر عبء على الدولة اللبنانية. إرهاصات الحرب كثيرة وخطيرة وعملت على إيقاع الخسائر المادية والبشرية فيها. أما أهم الخسائر فهي التي تصيب الناس بالحزن والكمد والحسرة.

لعلي لا أهدف إلى  الحديث عن نتائج الحرب وآثارها المادية والبشرية، ولكن هناك ما هو الأهم وهو العامل المعنوي والنفسي الذي من الممكن أن تكون آثاره وخيمة على الشعب الفلسطيني والعربي في أي مكان بسبب حجم ما أصاب مدننا وقرانا وشعبنا من قرح، يصعب وصفه والحديث عنه، إلا أن مرت في خاطري آية من آيات الله تعالى: "وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ". وقوله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، صدق الله العظيم. 

هنا أود أن أبين نقطتين هامتين أراد الله عز وجل أن يكونا قاعدتين لنا في هذه الأحوال وتلك الظروف الصعبة التي تمر ثقالاً على أمتنا وشعبنا وسوف تزول وتصبح من الذكريات لأن حركة التاريخ تدور فلا يبقى القوي قويًا، ولا الضعيف ضعيفًا. وكم من إمبراطورية عظمى انتهت وزالت وحل محلها غيرها. وهذه حقيقة ثابتة والشواهد على ذلك معروفة للقاسي والداني ولا يبقى على حاله إلا الواحد الأحد الحقيقة الثابتة في هذا الكون. أما الأمر الثاني الذي يؤخذ به دعوة الله أن لا نحزن وأن لا نشعر بالإهانة أو الاستكانة ذلك لأننا ورغم الشدائد والمصاعب الجمة وما نشعر به من ألم نحن الأعلون، لهذا لا يخيف المؤمنون تهديدات ووعود ترامب وغيره بالتدمير، أو بضم البلاد وتهجير العباد. شعبنا العظيم إن وعد الله حق وأن النصر آتٍ لا محالة، يقول الله تعالى: "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين". هنا عندما يتجلى الإيمان بأعلى صوره يذهب الوهن وتقوى القلوب والأبدان بسبب الأحزان، والله، وكلنا يعلم أننا نحزن لكن في كلام الله سلوى وقداسة الموقف لأن بعد العسر يسرى.

إن المعركة القادمة هي إماطة الأذى والضرر الذي أصاب شعبنا، وسوف نعيد البناء ونرمم الكسر ونجبر المصاب بعونٍ من الله ونصره. وإن شاء الله إنا لمنتصرون، ويا محلى النصر بعون الله. أبشروا بقول الله تعالى في سورة الإسراء: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".