بالأمس القريب بعد انفجار الأزمة الروسية الأوكرانية في 24 شباط/فبراير 2022، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في 17 آذار/مارس، أي بعد نحو 20 يومًا من اندلاع الحرب، الذي أيدته إدارة بايدن، ورحب الرئيس الأميركي بكل ما قامت به المحكمة في سعيها لفرض عقوبات ومحاكمة الرئيس الروسي بوتين، وأشاد ساكن البيت الأبيض بإجراءات المحكمة، واعتبرها حامية العدالة والقانون الدولي، وعلى النقيض من ذلك، رفض الرجل الكسيح وإدارته قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق، يوآف غالانت يوم الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، قبل خمس أيام، وكرر بايدن القول: إن "المحكمة الجنائية الدولية شيء لا نعترف به". في انقلاب فاضح لموقفه السابق، وبمعايير مزدوجة تكشف انفصال الإدارة الأميركية عن الواقع.
ومنذ صدور القرار ضد نتنياهو وغالانت قاد البيت الأبيض حملة شعواء ضد قضاة محكمة الجنائية الدولية، وأعلن الناطق باسمه "ترفض الولايات المتحدة بشكل أساسي قرار المحكمة بإصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين"، وتابع: "ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء اندفاع المدعي العام طلب أوامر الاعتقال". ليس هذا فحسب، بل إن إدارة بايدن لا تعترف بما تؤكده تقارير منظمات دولية وحقوقية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، إن إسرائيل لم تترك أي ملاذ آمن لأكثر من 1،8 مليون فلسطيني نزحوا من مختلف مناطق قطاع غزة خلال الأشهر الـ14 من الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني.

واعتبر البطة العرجاء قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت بالأمر الشائن. في انقلاب فاجر ومعيب بحق المحكمة والشعب الفلسطيني والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. وأغمض بايدن وإدارته أعينهم عن ويلات وإبادة وفاجعة الشعب الفلسطيني، الذي ارتقى منه حتى الآن في اليوم 416 للحرب الجهنمية ما يزيد عن 160 ألف من الشهداء والجرحى، وكذب الحقائق التي تبثها على مدار الساعة الفضائيات العالمية بما فيها الفضائيات والوكالات الإعلامية الأميركية والإسرائيلية والأوروبية الغربية، وصموا آذانهم عن سماع صوت الشعوب والنخب العالمية بما فيهم طلاب الجامعات الأميركية نفسها، الذين تظاهروا بشعاراتهم الرافضة للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ومع أن الولايات المتحدة الأميركية، هي من لعب دورًا أساسيًا في تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية لخدمة أهدافها الاستعمارية بشكليها القديم والجديد. بيد أن الإدارات الأميركية المتعاقبة عندما كانت المنظمات والهيئات الأممية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح قرار أممي يتناقض مع مصالحها الحيوية، كانت تناصبها العداء، وتشن حملة تحريض واسعة عليها، والعكس صحيح. وفي السنوات الأخيرة وخاصة في زمن إدارة بايدن الراحلة قريبًا عن سدة الحكم استباحت القوانين والقرارات الدولية والمعاهدات والهيئات الأممية بشكل غير مسبوق بهدف تبديد مكانتها الأممية، وحرف بوصلتها، وخاصة مع قيادتها دفة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا لدعم دولة الاستعمار الإسرائيلية فوق النازية.
وفي الوقت نفسه، يخطط السيناتوران الجمهوريان ليندسي غراهام وتوم كوتون للضغط على السيناتور تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية، لإجراء تصويت على مشروع قانون أميركي أقره قبل شهور الكونغرس لفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية. وأعلن الجمهوريون إنهم سيواصلون الضغط لفرض عقوبات على الجماعات والدول التي تساعد وتحرض القوى التي تعرض أمن الولايات المتحدة للخطر مثل الجنائية الدولية.

لم يعد خافيًا على أحد من العالم، أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر إسرائيل اللقيطة جزءً من أمنها القومي، وقاعدتها العسكرية المتقدمة في الشرق الأوسط، وذراعها الضارب في حماية مصالحها الاستراتيجية في الإقليم، لهذا جيشت حاملات طائراتها وبوارجها وغواصاتها وقواتها من النخبة والمارينز مع حلفائها من دول الغرب الرأسمالي في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لقيادة حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني لتسييد إسرائيل الخارجة على القانون الدولي على الإقليم عمومًا، بعد تغيير هيكلة الشرق الأوسط وفق مشيئتها وبما يخدم استراتيجيتها للهيمنة عليه، واستباقًا للتحولات الجيوسياسية العالمية قبل تشكل النظام العالمي متعدد الأقطاب.
وما نشهده في لبنان والوطن العربي وغيرها من الصراعات الدائرة في الإقليم له صلة عميقة بالمخطط الصهيوأميركي لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بما يخدم أهدافهم العدائية ضد مصالح الشعوب والدول في الإقليم عمومًا.