العنصرية، في التنقيب المعرفي لتأصيل هذه الفكرة الشريرة، يظهر لنا حسب الكاتب والمفكر المصري، ممدوح الشيخ، أن إبليس هو الأب السابق على التاريخ لكل الأفكار العنصرية، حين اعترض على أمر الله عز وجل بالسجود لآدم عليه السلام، على أساس أنه أفضل من آدم، بحكم أنه خلق من نار بينما خلق آدم من طين، كان هذا أول تصنيف عنصري، عرق النار، أفضل من عرق الطين.
وحين تموضعت هذه الفكرة في الحياة الدنيا، ومع صراع الجماعات البشرية على الاستحواذ والهيمنة، التي تخلق التصنيف العنصري عند بعض هذه الجماعات على أساس اللون أو العرق أو العقيدة.
النازية مثلاً قالت بالعرق الآري، والغرب الاستعماري، قال بالرجل الأبيض، والأحزاب الدينية المتطرفة: الاسلامية، والمسيحية، واليهودية، قالت على نحو ما بالفرقة الناجية.
وباختصار شديد، العنصرية فكرة إبليسية، ولا تستقيم مع الفطرة البشرية هذه التي لا تقبل تمييزًا إلا على أساس العمل الصالح، وفي الاسلام تحديدًا أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وللأمام علي بن ابي طاب رضي الله عنه، حكمة بلغية في هذا السياق تقول "قيمة كل امرئ ما يحسنه".
الفكرة الإبليسية لطالما توغل في الخطيئة، على هذا الأساس سنفهم، بمعرفة عميقة، دوافع وأسباب توغل إسرائيل اليمين العنصري المتطرف، في حربها الفاشية ضد فلسطين، شعبًا، وأرضًا، وقضية وطنية، هي فكرة إبليس في التصنيف العنصري، فالصهيونية الدينية التي تحكم في اسرائيل اليوم، وتتحكم فيها، ترى في الفلسطيني، والعربي بصفة عامة، مخلوق الطين الأدنى منها، الذي لا يجوز التعاطي معه، ولا حتى قبوله كائنًا حيًا في هذه الحياة، فتقصفه وبيته، بالصواريخ، وأرضه بالاستيطان وقضيته العادلة، بقرارات تصفوية لمرتكزاتها، ومعطياتها، وتاريخها، وحقائقها، ومن ذلك التشريع الأخير ضد "الأونروا" هذه الوكالة الشاهد الأممي على ما فعتله النكبة بالشعب الفلسطيني جراء احتلال أرضه، وتهجير الآلاف منه بالعنف والمجازر، تريد قتل هذا الشاهد، ودفنه مع كل ملفاته وحقائقه.
لسنا في صراع عقائدي مع إسرائيل، بل في صراع أخلاقي، وصراع معرفي، ولنا في هذا الإطار مشروعنا الإنساني، عديم العنصرية تمامًا، والمحمول على قيم الحق والخير والجمال، وهذه قيم يستحيل تدميرها، لأنها أساسًا قيم سماوية جاءت بها كل الأديان، ولا مصير للمشروع المحمول على أساسها سوى الانتصار، والسيادة في المحصلة، كحتمية لا يفرضها التاريخ فحسب، بل الفطرة البشرية ذاتها. هذا قول فصل، والأيام ما بيننا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها