في سابقة هي الأولى منذ توليه منصبه كامين عام للأمم المتحدة في العام 2017، أرسل أنطونيو غوتيريش رسالة إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي الموافق 6 كانون اول / ديسمبر الحالي حذر فيها من "انهيار وشيك للنظام العام" في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة منذ 63 يومًا خلت. وفَّعل من خلالها المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتيح له "لفت انتباه" مجلس الامن الدولي إلى قضية "يمكن أن تعرض حفظ السلام والأمن الدوليين للخطر". لا سيما وأنه من خلال متابعاته لواقع حرب الأرض المحروقة، والاطلاع على التقارير التي تصل إليه من ممثليه في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، استشعر دوره ومسؤولياته الشخصية والأخلاقية والقانونية الأممية، التي تسمح له بإشعال الضوء الأحمر للتهديد الخطير، الذي ترتكبه دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة، التي حالت حتى اليوم دون وقف الحرب الهمجية السريالية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى سبعة عشر ألفًا و177 شهيدًا، وما يزيد على ال43 ألفًا من الجرحى، ونحو ثمانية الاف مفقود تحت الأنقاض، فضلاً عن اعتقال الاف الاسرى من الاحياء والشهداء، وخطفت مئات الأطفال من الاسر النازحة من شمال الى جنوب قطاع غزة وتاجرت بهم، وحولت ما يزيد عن 600 طفل إلى تركيا، وهناك آلاف الأطفال تم تحويلها للدول الاوروبية، وما يقارب 355 ألفًا من الوحدات السكنية المدمرة تدميرًا كاملاً وجزئيًا. 


ولهذا نبهت الرسالة الأولى من نوعها لغوتيريش من انهيار كامل ووشيك للنظام العام بسبب ظروف تدعو إلى اليأس، الأمر الذي يجعل مستحيلاً (تقديم) مساعدة إنسانية حتى لو كانت محدودة." وتابع تحذيره من اخطار الوضع اللا منطقي والوحشي على مستويين صحي وتطهير عرقي "قد يصبح الوضع أسوأ مع انتشار أوبئة وزيادة الضغط لتحركات جماعية نحو البلدان المجاورة." وعليه طالب المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته من خلال استخدام "نفوذه لمنع تصعيد جديد ووضع حد لهذه الأزمة. "داعيًا أعضاء مجلس الأمن إلى "ممارسة الضغط لتجنب حدوث كارثة إنسانية".


وتكمن أهمية تفعيل المادة 99 من الميثاق الأممي في استشراف الأمين العام هول الخطر الداهم على السلم والأمن الإقليميين والدوليين نتاج وحشة وبربرية حرب الإبادة الصهيو أميركية، لذا دعا مجلس الأمن للانعقاد بهدف وقف الحرب فورًا لاسباب انسانية. وعلى إثر ذلك دعت دولة الامارات العربية الى اعتماد قرار عاجل لوقف اطلاق النار في غزة لدواع إنسانية، وقدمت يوم الأربعاء، بعد وصول رسالة غوتيريش لاعضاء مجلس الأمن قرارٍ للمجلس بهذا الصدد، حسب ما أكدته بعثتها في الأمم المتحدة على موقعها في منصة "إكس" ومن المفترض أن تكون أمس الجمعة عقدت جلسة لمجلس الأمن لمناقشة رسالة الأمين العام، واستجابة لدعوة الامارات. 


وجاءت ردود الفعل الإسرائيلية موتورة، وتنضح من مستنقع البلطجية، لأنها لا تستقيم مع منطق أو قانون سوى قانون الغاب، فقال مندوبها في الأمم المتحدة، جلعاد اردان عبر منصة "إكس"، إن غوتيريش "بلغ مستوى جديدًا من التدني الأخلاقي" لاستخدامه المادة 99، وأضاف: أن الأمين العام قرر تفعيل المادة بشكل نادر من اجل ان يسمح له فقط بالضغط على إسرائيل". ووصف خطوته، بأنها "دليل إضافي على الانحراف الأخلاقي ضد إسرائيل".


ومن جانبه قال ايلي كوهين، وزير خارجية إسرائيل على موقعه في منصة "إكس" ردًا على تفعيل غوتيريش المادة 99 بشكل يتنافى مع الاخلاق والقيم والسلوك الديبلوماسي، وبطريقة فيها إسفاف، وقلب للحقائق، حيث كتب "إن ولاية غوتيريش تمثل تهديدًا للسلام العالمي." وأضاف: "أن مطالبته بتفعيل المادة 99 والدعوة لوقف اطلاق النار في غزة يشكلان دعمًا لمنظمة حماس الإرهابية". وأجزم أن كلاهما أردان ووزيره لا يستحقان الرد أو التعليق.


وكانت بدورها واشنطن حذرت بلسان نائب سفيرتها في الأمم المتحدة، روبرت وود، من أن طرح مشروع قرار جديد على التصويت "لن يكون مفيدًا في هذه المرحلة" مفضلة العمل على الأرض". وهو ما يكشف تورطها في إدارة دفة الحرب، وهي من يغطي جرائم الحرب الإسرائيلية وجرائمها على حد سواء. 
ولا أعتقد أن ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية مفاجئة أو جديدة، بيد أن الموقف الأوروبي الذي عكسه تصريح جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية والامن كان إيجابيًا، ودعا السفراء الأوروبيين الى دعم اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة. 


في كل الأحوال موقف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة يعتبر موقفًا إنسانيًا شجاعًا، ومنسجمًا مع روح القانون الدولي، ومع روح المسؤوليات الشخصية على دوره كأمين عام للأمم المتحدة، ولرفضه التواطؤ مع جرائم الحرب الأميركية الإسرائيلية، وانتصر للقانون الدولي، ولحماية الشعب الفلسطيني من ويلات حرب الإبادة، ولقطع الطريق على حرب إقليمية واسعة تهدد الإقليم برمته والسلم والأمن الدوليين. شكرًا كبيرة للأمين العام غوتيريش.