مَضَتْ 9 سنوات على جريمة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال زياد محمد أبو عين.. "شهيد الأرض والزيتون"، خلال قيادته يوم الأربعاء في 10 كانون الأوّل/ديسمبر 2014م، المسيرة التي نُظِّمَتْ في بلدة ترمسعيا، في الضفّة الغربية، تحت عنوان "معاً لفلسطين حرّة".
تربّص الاحتلال بالشهيد زياد أبو عين، ونفّذ جريمة اغتياله بشكل مُتعمّد في "اليوم العالمي لحقوق الإنسان"، فأثبت المُحتل مُجدّداً إمعانه في خرق هذه الحقوق، والشرائع السماوية والقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
يستمر الاحتلال في جريمته المُتمادية ضد الشعب الفلسطيني، مُرتكباً المزيد من المجازر والمذابح والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مُنذ ما قبل نكبة العام 1948، ما أدخله موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية عن جرائمه التي تسقط بمُرور الزمن.
يُواصل أبناء فلسطين النضال بشتى الوسائل وفي مُختلف المجالات: السياسية، الدبلوماسية، المحافل الدولية، والإعلام بمُواجهة المحتل الإسرائيلي، الذي يُمعِن في عدوانه ضد قطاع غزّة، مُوقِعاً أكثر من 17 ألف شهيد، و43 ألف جريح، و7600 مفقود، مع تدمير أكثر من 243 ألف وحدة سكنية، و270 مدرسة كلياً، و285 مسجداً و7 كنائس، و198 مركز إيواء تضرّرت بشكل كلي أو جزئي، و27 مُستشفى أصبحت خارج الخدمة، وتدمير 55 سيارة إسعاف.
هذا فضلاً عن اضطرار أكثر من 1.9 مليون فلسطيني للنزوح من أماكن تواجدهم في المنطقة الشمالية من قطاع غزّة إلى المنطقة الجنوبية، لكن لم يسلموا من عدوان الاحتلال الذي استهدفهم مُجدّداً.
لا يُفرّق الاحتلال بين كبير أو صغير، وبين مُسعف وصحافي، حيث استهدف أكثر من 75 صحافياً في مُحاولة لمنع نقل حقيقة المجازر التي يرتكبها.
يُضاف إلى ذلك الاقتحامات والاعتداءات ضد المُواطنين والمُقدّسات الإسلامية والمسيحية، وسرقة الأراضي في الضفّة الغربية والقدس؛ فقد استشهد داخل الضفّة الغربية، مُنذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، 165 شهيداً، وقام الاحتلال باعتقال 3250 شخصاً، زجَّ بهم في سجونه مع الأسرى الذين يفوق عددهم الـ6 آلاف أسير فلسطيني، بعضهم أمضى أكثر من 4 عقود في السجن، والتنكيل بالأسرى، واحتجاز جثامين الشهداء في البرّادات ومقابر الأرقام.
كذلك هناك عمليات الاقتحامات المتكرّرة، وتهجير التجمّعات حتى البدوية، وهدم منازلٍ في القدس والمناطق المسماة (ج) واعتداءات من قِبل المستوطنين بشكل مُتكرّر، فضلاً عن قرصنة أموال السلطة الفلسطينية.
هذا في وقت يقف المُجتمع الدولي عاجزاً عن وضع حدٍّ للعدوان الإسرائيلي، مع حكومة اليمين المُتطرّف برئاسة بنيامين نتنياهو، وفي ظل دعم الإدارة الأميركية المُطلق للتطرّف الإسرائيلي.
في مُواجهة ذلك تبقى الإرادة الفلسطينية الصلبة بالوحدة بين أبناء فلسطين الصامدين فوق أرض فلسطين التاريخية، كل يُناضل وفق الإمكانات والوسائل المُتاحة والمُمكنة، وفي الشتات التوّاقين للعود إلى فلسطين.
تبقى تضحيات الشهيد زياد أبو عين والمُناضلين من أجل فلسطين، نبراساً يُنير طريق الأحرار ويسيرون على خطاهم.
في الذكرى التاسعة لاستشهاد المُناضل زياد أبو عين، أستعيدُ جزءاً ممّا خصّصتْ به الشهيد العزيز "أبو طارق"، في كتابي "فرسان فلسطين، الذي أستعرض فيه مسيرته النضالية.
ومما جاء فيه:
تعود أصول عائلة المُناضل زياد محمد أبو عين إلى قرية دير طريف في ضواحي اللد، التي احتلّها الإسرائيليون في عام 1948م، بعدما طردوا أهلها منها، الذين أقاموا في مُخيّم للاجئين الفلسطينيين، في ضواحي رام الله في الضفّة الغربية من فلسطين المُحتلّة.
أبصَرَ النور يوم الأحد في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1959م.
لعب زياد مع أترابه الصغار في أزقّة المُخيّم الضيّقة، وذاق مُعاناة التهجير.
ما أنْ أكمل صفّه الأوّل الابتدائي، حتى احتل الإسرائيليون الضفّة الغربية، بتاريخ الخامس من حزيران/يونيو 1967م.
على وقع هدير الدبابات، وقصف الطائرات، اضطر إلى المُغادرة مع الوالدة مريم، والأخوة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث عبروا نهر الأردن سيراً على الأقدام، وتخطّوا الصعاب، لأنّ طائرات الاحتلال كانت قد دمّرت الجسر.
في عمّان، بدأ زياد مع رفاقه، بمُمارسة لعبته المُفضّلة "عرب ويهود".
بعد فترة من الزمن، عاد زياد مع عائلته إلى رام الله، وكان يُشاهد للمرّة الأولى المُحتلّين من مُجنّدات وجنود إسرائيليين، يتجوّلون في شوارع رام الله.
صُعِقَ زياد لأنّ صورتهم مُغايرة لتلك التي رسمها في مُخيّلته عنهم، وهي أنّ اليهود يملكون ذنباً طويلاً، وشكلهم كهيئة القرود، لكنّه شاهدهم جبناء مُدجّجين بالأسلحة والعتاد، ويتجوّلون بحذر وخوف.
مُنذ صغره تفتّحت أريحيته على العمل من أجل تحرير الأرض من المُحتل الإسرائيلي.
بدأ في عام 1969م، وهو في سن العاشرة تشكيل مجموعات في "مدرسة وكالة "الأونروا" الابتدائية للبنين" في مُخيّم الأمعري، من أجل تنظيم تظاهرات الطلاب لمُواجهة دوريات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كانت الخطة تتضمّن إلقاء حجارة على شبابيك الصفوف، وكسر زجاجها، ما يُحدِثُ حالة من الرعب والفوضى داخل المدرسة، ويضمن خروج الطلاب منها، والطريقة ذاتها اتُّبِعَتْ في إخراج طالبات مدرسة الإناث المجاورة.
كان الجميع يخرجون بتظاهرة حاشدة، وصولاً إلى الميدان، حيث يتم رشق دوريات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة، وكان الاحتلال يمنع التجوّل إثر ذلك، ويقوم بحملة اعتقالات في صفوف الطلاب والطالبات.
في أحد أيام عام 1969م، عَلِمَ مدير المدرسة بمسؤولية زياد عن تحطيم زجاج النوافذ في المدرسة، فقام بربطه بالحبال، وأوثقه بأحد الأدراج، واستخدم عصا غليظة لضربه ضرباً مُبرِحاً على قدميه، فسالت منها الدماء، وسبّبت تشقّقات في جلده، والتهبت لاحقاً، ما أدّى إلى اضطراه للبقاء في المنزل أياماً عدّة.
قرّرت إدارة المدرسة طرده، ورفضت عودته إليها، وبعد وساطات، وافق مُدير المدرسة على منحه كتاب نقل إلى "مدرسة ذكور رام الله"، التابعة لوكالة "الأونروا"، التي بقي فيها حتى إنهائه المرحلة الإعدادية، ثم تنقّل بعد ذلك بين عدد من المدارس، حيث وصل إلى الصف الأوّل الثانوي في "ثانوية رام الله"، وكان في ذلك الحين يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً.
قام زياد عام 1976م، بتشكيل مجموعة مزدوجة من طلاب وطالبات مدارس رام الله، حملت اسم "مجموعة شباب فلسطين"، ولم يكن لأي منهما علاقة بالآخر، حيث كان زياد يقوم شخصياً بتمويل أنشطتهما، والتنسيق بينهما.
أدّى ذلك إلى تعرّض أفراد المجموعة للمُلاحقة والاعتقال، والذي كان الأوّل لزياد يوم الجمعة في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1977م، بطريقة إرهابية، حيث أُوقف دون تُوجيه أي تُهمة له.
يوم الإثنين في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977م، قرّرت سلطات الاحتلال الإفراج عنه، وأفراد المجموعة ضمن صفقة تبادل بعد زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى الكيان الإسرائيلي.
يوم الثلاثاء في الخامس من حزيران/يونيو 1979م، غادر زياد إلى الولايات المُتّحدة الأميركية للاطمئنان على شقيقته خولة المريضة، والموجودة في ولاية شيكاغو.
في الولايات المُتّحدة الأميركية جرى اعتقاله من قِبل السلطات الأميركية، يوم الأحد في التاسع عشر من آب/أغسطس 1979م، حيث أودع في زنزانة إفرادية في سجن "أم.سي.سي" الفدرالي الشهير في مدينة شيكاغو.
خلال وجوده في السجن استطاع نزيل الزنزانة (1413) تحويل قضيته إلى قضية رأي عام، فأضرب عن الطعام استنكاراً لقرار تسليمه إلى الاحتلال، من أجل لفت أنظار العالم إلى قضيّته، ونجح في هذا الأمر، ووصلت أصداء قضيّته إلى أطراف العالم.
تمّت مُحاكمته بشكل صوري، وقرّرت الولايات المُتّحدة الأميركية تسليمه إلى الكيان الإسرائيلي، وهو ما جرى مساء السبت في 12 كانون الأول/ديسمبر 1981م.
بعدها جرت مُحاكمة صُوَرية له في تل أبيب، وأصدرت "المحكمة العسكرية"، يوم الجمعة في الرابع من حزيران/يونيو 1982م حُكماً جائراً بإعدامه، ثم خُفِّض إلى الأشغال الشاقّة المُؤبّدة، دون أنْ تكون هناك اعترافات أو أدلّة وقرائن تُدينه، وهو أوّل حُكم يصدر وفق ذلك.
بقي الاحتلال يتربّص بالمُناضل زياد، وخلال عملية تبادل الأسرى، التي جرت يوم الأربعاء في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1983م، بين حركة "فتح" وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوساطة "الصليب الأحمر الدولي"، أُطلق سراح كلّ الأسرى، وكان على رأسهم زياد أبو عين، وبعد صعوده إلى الطائرة في "مطار اللد"، أقدمت سلطات الاحتلال على إعادة اختطافه من داخلها، ما أحدث أزمة كبيرة.
تعطّلت صفقة تبادل الأسرى لمُدة عام ونصف العام، إلى أنْ تمَّ الإفراج عن المُناضل زياد أبو عين يوم الإثنين في العشرين من أيار/مايو 1985م، في عملية تبادل غير مُباشرة بين حكومة الاحتلال و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، حملت اسم "عملية النورس".
فضّل زياد أنْ يبقى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، لكن بعد سبعين يوماً، وتحديداً يوم الثلاثاء في الثلاثين من تموز/يوليو 1985م، عاد الاحتلال وإلى اعتقاله للمرّة الثالثة إدارياً.
بعد اندلاع "الانتفاضة الثانية" - "إانتفاضة الأقصى"، يوم الخميس في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2000م، اعتُقِلَ زياد إدارياً في العام 2000م، قبل أنْ يُعتقل في منزله بحي الطيرة - غرب مدينة رام الله، المُناضل مروان البرغوثي، يوم الإثنين في 15 نيسان/إبريل 2002م.
أُطلق الاحتلال سراح زياد في عام 2003م، وتسلّم العديد من المراكز، وكان له في كل منها بصمات مُميّزة، خاصة في قضية الأسرى، ومُواجهة الاحتلال بشأن الجدار العنصري والاستيطان.
قاد زياد "المُقاومة الشعبية"، وقام بزرع 500 ألف شجرة زيتون في الأراضي والحقول، وهذا ما أغضب الاحتلال الذي كان يسعى إلى سرقة هذه الأراضي، ووضع اليد عليها.
يوم الأربعاء في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2014م، وفي ذكرى "اليوم العالمي لحقوق الإنسان"، وتحت عنوان "معاً لفلسطين حرّة"، قاد زياد المسيرة التي نُظِّمَتْ في بلدة ترمسعيا، في الضفّة الغربية، حيث كان الاحتلال يتربّص به.
أثناء المسيرة أطلق جنود الاحتلال قنابل الغاز المُسيل للدموع، وبشكل مُتعمّد، أقدم جندي على ضرب زياد على صدره بكعب بندقيّته، ما أدّى إلى فقدانه الوعي، ثم أقدم على خنقه، وهذا ما سجّلته كاميرات الإعلام الفلسطينية والدولية.
ليس هذا فحسب، بل إنّ جنود الاحتلال منعوا وصول سيارة الإسعاف، فحمل الشُبّان زياد على الأكتاف، وصولاً إلى "مُجمّع رام الله الحكومي"، حيث أُدخِل غرفة العناية الفائقة، لكن بعد دقائق أُعلِنَ (ويا للأسف) نبأ استشهاد زياد أبو عين.
عمّت مظاهر الغضب الأراضي الفلسطينية المُحتلة، والعالم شاجبةً للجريمة الإسرائيلية.
تحوّلت قضية زياد إلى قضية دولية، فتقدّمت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى "المحكمة الجنائية الدولية" مُطالبة بمُحاكمة جنود الاحتلال على جريمتهم في اغتيال المُناضل زياد عمداً.
أصبح اسم الشهيد زياد أبو عين على كل شفة ولسان، وخُلّد في أكثر من مكان.
أغمض المُناضل زياد أبو عين عينيه وانطلق شهيداً، في الوقت الذي كانت الأراضي الفلسطينية المُحتلّة تعيش أجواء التحضير لعيدَيْ الميلاد ورأس السنة، وكانت أجراس الكنائس تُقرَع في بيت لحم، والجماهير الفلسطينية تُردّد "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرّة".
لكن هذا الاعتداء الهمجي من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، لم يمنع الفلسطينيين من الاستمرار في معركتهم النضالية، حيث جرى إنشاء مُؤسّسة حملت اسم "مُؤسّسة الشهيد زياد أبو عين"، وانتُخِبَ صديقه وزميله في النضال المُشرِف على الإعلام الرسمي الفلسطيني الوزير أحمد عسّاف رئيساً لمجلس إدارة المُؤسّسة، التي أخذت على عاتقها الاستمرار بحمل رسالة المُناضل زياد أبو عين، وزرع أشجار الزيتون، وتثبيت المُواطنين في أرضهم لإفشال المُخطّط الإسرائيلي.
كما مُواصلة أفراد الأسرة: الزوجة ريمال أبو عين، والأولاد: طارق، معتز، محمد ومحار مُتابعة المسيرة، مع أصدقاء وأخوة ورفاق الشهيد أبو عين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها