إذا اتفقنا أن لا أمل أن تتصدى الحكومة الإسرائيلية بجدية لظاهرة الجريمة في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، ونتفق على أن هذه الحكومة المتطرفة متواطئة مع المجرمين لأنهم يمعنون في تدمير المجتمع الفلسطيني، وإذا اتفقنا على أن هذا المجتمع لا يستطيع مواجهة الجريمة وحيدًا، فإن الوقت قد حان لتدويل القضية وطرحها على نطاق واسع في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومطالبته بإرسال لجنة تحقيق دولية، وربما نكون بحاجة إلى أن تطرح القضية على مجلس الأمن، بهدف كشف مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن هذه الظاهرة وضرورة مواجهتها بجدية.
هناك طرق عديدة ووجهات دولية كثيرة يمكن تنشيط دورها ودفعها لمناقشة ظاهرة الجريمة، التي باتت بالفعل تهدد أمن واستقرار المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وتهدد نسيجه الاجتماعي وتقود إلى تهميشه أكثر فأكثر وتحوله إلى جسم بشري مشلول لا أثر له في الحياة السياسية الإسرائيلية. هناك اتحاد البرلمانات الدولية، وحتى برلمانات الدول ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى طرح القضية على الجامعة العربية، فالأقلية العربية الفلسطينية تتعرض لتهديد وجودي بسبب تواطؤ الحكومة الإسرائيلية مع ظاهرة الجريمة، وبسبب السياسة طويلة الأمد من التمييز والعنصرية.
لقد زاد عدد ضحايا الجريمة منذ مطلع العام الحالي عن 192 إنسانًا كانوا يرغبون بإكمال حياتهم بسلام، ويسعون إلى تحقيق طموحاتهم وأحلامهم وفجأة تم خطف حياتهم من قبل المجرمين. والمعروف أن ظاهرة الجريمة قد بدأت منذ عدة سنوات وكان الحديث يدور عن العنف الناجم عن الضغوط التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني في الداخل، العنصرية والتهميش، وعدم الشعور بأنهم جزء من صناعة القرار في البلاد وأن تمثيلهم في الكنيست لا يوازي حجمهم العددي ولا حتى دورهم في المجتمع.
لقد كان تصاعد ظاهرة الجريمة ملموسًا عامًا بعد عام وبدأت الأرقام في تصاعد ملفت منذ عام 2017، بمعنى أن عمر الظاهرة الآن ست سنوات. إلا أن العام الحالي كان الأكثر دموية وفداحة، وبينما كان معدل الجريمة يصل إلى 95 ضحية في الأعوام الستة الماضية. فإن هذه السنة وقبل أن تصل إلى نهاياتها قد حصدت 192 ضحية. وربما نحتاج هنا إلى توضيح أن هذه الأرقام، وبالرغم من فداحتها، فإن الأخطر هو ما تتركه الظاهرة من خوف وقلق وحتى رعب. وما تتركه من تخريب عميق في المجتمع، مثل تدمير النسيج الاجتماعي ووحدة المجتمع، وتشغله عن نضاله الأساسي في مواجهة العنصرية ومن أجل المساواة والقدرة على التعبير عن الهوية الثقافية والوطنية بحرية.
تدويل المشكلة ليس مهمة الفلسطينيين في الداخل وحدهم، إنها مسؤولية فلسطينية عامة، وهي مسؤولية عربية أيضًا. خصوصًا أن إسرائيل كحكومة ودولة تتحمل مسؤولية تفشي ظاهرة الجريمة هذه وتقوم بتغذيتها بشتى السبل. والصحافة الإسرائيلية ذاتها تنتقد دور الحكومة وتحديدًا دور وزير الأمن الداخلي بن غفير. الذي لا يخفي هو والفاشيون أمثاله أن هدفهم ترحيل الفلسطينيين.
إن المرارة الأشد في سياق تفشي الجريمة، هي أن يشعر الفلسطينيون في الداخل أنهم تركوا وحدهم، من هنا أهمية التضامن والمساهمة في فضح السياسات الإسرائيلية اتجاههم، سيادة الرئيس محمود عباس ومن على منبر الأمم المتحدة قام بإلقاء الضوء عى هذه الظاهرة الخطيرة، ولكن المطلوب من مؤسساتنا والفصائل الفلسطينية أن تضع هذه القضية ضمن أولوياتها وكذلك منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية.
إن ما يجري له هدف واحد هو التطهير العرقي البطيء وتشريد المواطنين بصمت على امتداد سنوات، هل نصمت نحن بالمقابل على هذا المخطط الخبيث؟
إسرائيل تسعى إلى تهجير الشباب، وتهجير العقول وهي تضع هدفًا واحدًا هو إنهاء المجتمع الفلسطيني كمجتمع متماسك يدرك هويته ودوره، مجتمع فاعل ونشط في الحياة العامة ويشارك في صناعة القرار أقلها المتعلق به. وإسرائيل اليوم تشعر بأنها تحقق ما تريد فالمجتمع الفلسطيني في الداخل يتمزق وقلق، لا يشعر بالأمان ومنشغل عن القيام بدوره الذي يمكن أن يمارسه في الأزمة الداخلية في إسرائيل، وهي الأزمة التي تمسه مباشرة مع تآكل الديمقراطية وسيطرة القوى الفاشية على المجتمع الإسرائيلي.
هناك حاجة ملحة لأن نتحد جميعًا لمواجهة ظاهرة الجريمة الخطيرة والتي لا تهدد الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل وحسب بل تهدد الوجود الفلسطيني برمته، لقد آن الأوان لندول الأزمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها