أكاد أجزم، وانا أرى ما أراه، أنهم لم يتعلموا شيئاً .. لا من التاريخ ولا من الجغرافيا ولا من الأنثروبولوجيا، ولا من الأخلاقيات العامّة!
إنهم، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، لا يشيّدون إلا القناطر والأقواس التي سيعلقون عليها أنفسهم بأنفسهم من أجل الانتحار الكبير، ولا يكتبون أو يرسمون سوى غرورهم الذي يحني رقابهم وظهورهم منذ خمسة وسبعين عاماً، ولا يجهرون إلا بعنصريتهم ودمويتهم، ولا يتفاخرون إلا بوقاحة شنيئة اسمها القتل الوحشي طوال الوقت، ولا يقرأون سطراً ذهبياً واحداً من كتب الشعوب، لأنهم يقرأون في كتاب الموت والمؤيدات له!
إنهم ليسوا أعداء الفلسطينيين وحدهم، ولا أعداء الحرية وحدها، ولا أعداء القيم والأخلاقيات وحدها، إنهم أعداء الحياة، فهم، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، لا صورة لهم سوى هذه الصورة المرافقة للمجازر، والذبح، والقتل والإخافة، إنهم الوجه المنار للعنصرية البادية اليوم، وأمام الجميع، أمام القانون الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، و كتب التاريخ والفلسفة والأخلاق، و الآداب والفنون، والثقافات العالمية، والحس ّالسليم، وأمام الإنسانية التي ترى ذبح الفلسطينيين تترى، وفي كلّ الأوقات، والمناسبات، والمواسم، وكأنهم خلقوا، ووجدوا، وتناسلوا، وقرأوا، وكتبوا، وحلموا بألا يكون لهم من هدف أو غاية في هذه الحياة سوى قتل الفلسطينيين في المدن والقرى والطرقات والحقول والمدارس ودور العبادة!
بلى، إنني أتحدث عن الإسرائيليين الذين يتوارثون الأحقاد، وثقافة القتل، والعنصرية، والغرور، والمباهاة بالقوة منذ خمسة وسبعين عاماً، على حساب أبناء شعبنا الفلسطيني الذين عملوا على أنسنة الأنهار والبحيرات والبحار والصخور والغابات حتى جعلوها لوحات من الفرح البهيج، وعملوا على العمران في القرى والمدن والدروب، والشعاب، والشواطئ، والصحارى، والمغاور، والكهوف، حتى طردوا غيلان الخوف والعتمة والجهل البغيض.
ها هما، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، مرآتان واضحتان صريحتان، واحدة للخراب، والبطش، والقتل، والمباهاة بالقوة العمياء، وثانية تتسع لصرخة الفلسطينيين، فهي، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، تجهر بالألم، والعناد الوطني، والصبر الخرافي، والعشق الأبدي، والحلم المنادي: إما فلسطين، وإما فلسطين.!
.. والّا كيف نفسّر، أو نعي هذا التوحش القبيح لهذه القوة الإسرائيلية، إذا لا حوار بين اثنين من الإسرائيليين إلا وينتهي بالموافقة على قتل الفلسطينيين، ولا اجتماع لكنيست أو حكومة أو كنيس ديني إلا وينتهي بالموافقة على البطش وإراقة الدماء الفلسطينية، ولا مشاورة بين مدنيين أو عسكريين إسرائيليين إلا وتنتهي باجتياح المخيّمات والقرى والمدن الفلسطينية، ولا جلسة عشاء لإسرائيليين إلا وتنتهي بالتوكيد على ضرورة موت الفلسطينيين وطردهم وتشريدهم ونفيهم، ولا أحاديث في مستوطنات الإسرائيليين سوى الأحاديث الداعية إلى المزيد من التسلح، ومكاثرة الملاجئ، وفتح السجون الجديدة، وتعلّم أساليب شيطانية لقتل الفلسطينيين.
مثلُ هذه الحياة المعيوشة، ليست حياة مجتمع، بل هي حياة عصابة سرقت ما سرقته، منذ خمسة وسبعين عاماً، وهي تريد حماية سرقتها بالطائرات، وراجمات الصواريخ والقبة الحديدية والسجون والمعتقلات والسياسة والاقتصاد وثقافة الإخافة!
مثل ُهذه الحياة المعيوشة، ليست حياة، بل هي قباحات تتناسلها القوة الإسرائيلية وبرضا من دول الغرب القوية التي كانت وما زالت هي مرجعية الإسرائيليين في الاستعلاء والغرور والقتل وإهانة الروح البشرية، وإلا كيف تتفرج هذه الدول الغربية التي تتفاخر بالديموقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، وسيادة الدول، وكرامة الشعوب على المشهد اليومي لقتل الفلسطينيين بالرصاص الإسرائيلي جهاراً نهاراً، في القرى، والمدن، والطرقات، والشوارع، والمدارس، .. وفي المسجد الأقصى!
أين هو الإخاء، والمساواة، والحرية، أيتها الثورة الفرنسية، وأين هي مبادئ ويلسون ١٩١٤ وحقوق الأفراد والشعوب، وأين هو الحياء الغربي أمام ما فعلوه في الهند، وأستراليا، وجنوب إفريقيا، وأمريكا اللاتينية؟!
بلى، الإسرائيليون، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، يمشون في الدروب الوعرة التي مشاها الغربيون وهم في حمّى تسابقهم لاحتلال بلدان العالم، وها هم ،أعني الإسرائيليين، يقتربون من النهايات التي اكتوى بطعومها المرّة الغرب الذي لم يشعر حتى هذه الساعة بالندم، ولم ينطق بعد ُبكلمة الاعتذار! وعلى الإسرائيليين، أن يعوا، وبعد خمسة وسبعين عاماً من المواجهة مع الفلسطينيين أنّ الأرض عائدة إلى أهلها، وأن البلاد الفلسطينية أوسع وأرحب وأكبر من أن تحيط بها القوة الإسرائيلية، وأن كلّ هذا الغرور عتمة، ووهم، وطيش ليس إلّا!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها