إذا لم تكن المقاومة وطنية وأجندتها وقرارها وطني فهي بالتأكيد مأجورة حتى لو اشتبكت مع قوات الاحتلال، ولكن هذه المقاومة بين قوسين ليست هي موضوعنا، إنما هو مخيم جنين، فلم يعرف هذا المخيم أنه خان وطنيته الفلسطينية، أو ارتهن لقرار من الخارج ولم يكن يومًا محسوبًا على الأجندة الإيرانية أو أي أجندة غير وطنية فلسطينية.

تاريخ المخيم الوطني صنع مناضلي "فتح" والفصائل الوطنية الأخرى في منظمة التحرير الفلسطينية، كما صنع تاريخ مخيمات صبرا وشاتيلا وعين الحلوة والبداوي ومخيم اليرموك، "فتح" والثورة الفلسطينية، التي نحتفل في ذكرى انطلاقتها الستين هذه الأيام، هذه الثورة الفلسطينية هي التي نقلت مخيمات اللجوء من كابوس النكبة، ومن كونها تجمعات للاجئين مقهورين إلى مخيمات ثورة وفداء وكرامة، وكانت خلال كل هذه العقود وطنية لا ترتهن لأجندة أي طرف غير فلسطيني، ولا تعمل عند أي دولة بالأجرة، إنما من أجل فلسطين وشعب فلسطين.

كل المخيمات وفي مقدمتها مخيم جنين الباسل، لم تحد بوصلتها عن الوطنية الفلسطينية، ولن تكن مخرزًا وأداة في أيدي الآخرين ولخدمتهم، كل المخيمات كانت وستبقى منبع الوطنية الفلسطينية والمحافظ على الهوية.

إن الكارثة الحقيقية هي أن تخطف هذه المخيمات قوى بأجندات غير وطنية، الكارثة أن تفقد هذه المخيمات هويتها الوطنية وتصبح ساحة لكل العابثين والمستخدمين لورقة القضية الفلسطينية لخدمة أهدافهم وهي بالتأكيد ليست أهدافًا فلسطينية مهما ادعت وتلونت وضللت.

دعونا معًا ننظر إلى ما يجري من حولنا، هل أنقذ حرس الثورة الإيراني نظام الأسد؟ ألم تتخل إيران عن حزب الله عندما أصبح أمنها القومي في خطر؟ ثم ماذا جلبت إيران للبنان وسوريا غير الخراب والدمار والإختراق الأمني؟.

والأهم: ماذا جلبت إيران لقطاع غزة سوى أنها قدمت لإسرائيل المبرر لتنفذ أبشع حرب إبادة في التاريخ، ماذا جلبت غير الدمار والموت؟.

ألم تعد ألاعيب طهران ومغامراتها الاحتلال لقطاع غزة وجنوب لبنان وجنوب سوريا اليوم؟.

هل حرر "محور المقاومة" شبرًا واحدًا من فلسطين، أم أنها قدمت لإسرائيل الذرائع لتتوسع وتعيد احتلال غزة وجنوب لبنان وجنوب سوريا؟.

لنسأل أنفسنا: ما هي خلاصة عمل "محور المقاومة". أليس دمار قطاع غزة، ودمار لبنان وسوريا؟.

مخيم جنين لن ينخدع بهذه الادعاءات، مخيم جنين ومخيمات نور شمس وبلاطة، والدهيشة والفوار وعقبة جبر، لم تكن حصان طروادة لأحد من الخارج، ولن تقدم لدولة الاحتلال المبرر لتدمير المخيمات كما دمرت جباليا والشاطئ، وغيرها من مخيمات قطاع غزة.

حتى المخيمات الفلسطينية في لبنان لن تكون بؤرة للخارجين عن القانون لمليشيات تهدد الأمن الوطني اللبناني، لأن لبنان المزدهر، من وجهة نظرنا يخدم فلسطين أكثر بمئات المرات من لبنان المفلس المنهار، تمامًا كما الأردن المزدهر وسوريا المزدهرة وليس المدمرة.

لا يراودنا أي شك في أن نبض مخيم جنين هو نبض وطني نقي، ولدينا ثقة أن مخيم جنين لن يقبل أن يختطف من قبل أي طرف من أصحاب الأجندات الخارحية، ولدينا ثقة أن هؤلاء سيحررون أنفسهم من هيمنة دول تستخدم دمهم والدم الفلسطيني لخدمة أهدافها ولتعقد الصفقات مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، هؤلاء الشباب كانت نواياهم شريفة ولم يدركوا أن من يمولهم إنما يقدمهم قرابين على مذبح مشاريعهم الإقليمية.

مخيمات جنين ونور شمس وبلاطة ستنفض عنها غبار التضليل وتؤكد أنها ليست في خدمة أي أجندة خارجية، إن خطأ واحدًا قد يجرنا إلى الفتنة، أو يعطي لدولة الاحتلال فرصة لتدمير كل شيء وتهجير كل الشعب.

المقاومة لها أشكال مختلفة لعل أكثرها أثرًا وعلى سبيل المثال لا الحصر هو مقاطعة البضائع الإسرائيلية، أو أن نزرع مساحات أوسع من أرضنا، ونصمد أكثر ونبني أكثر. غاندي حرر الهند دون أن يطلق رصاصة واحدة، هزم الاحتلال البريطاني بمقاطعة البضائع البريطانية، بوحدة الشعب الهندي وتصميمه على الحرية.

مخيم جنين أحد رموز الوطنية الفلسطينية وسيبقى ولن تنجح أي مجموعة ضالة أن تحرف بوصلته الوطنية، مجموعة غرقت في أجندات خارجية وباعت نفسها لها مع الأسف.