حكومة الصهيونية الدينية، لدى منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية التي تأمر جيشها باحتلال جنوب لبنان، ومناطق واسعة من سوريا موازية لجبهة الجولان المحتلة منذ سنة 1967، لن تنسحب من قطاع غزة نهائيًا، وتحقيق أهداف المنظومة، بإعادة تشكيل الاحتلال الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وسوريا ولبنان.

فهذه الحكومة ليست في عجلة من أمرها لأخذ قرار سياسي بخصوص الصفقة مع حماس، فرئيس الائتلاف الحاكم بنيامين نتنياهو الذي يخشى على انهيار حكومته، قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يماطل ويناور، ويكرس واقعًا عسكريًا وأمنيًا (احتلال مواقع استراتيجية وبناء قواعد عسكرية) داخل حدود قطاع غزة، يناور حتى يبلغ العشرين من يناير القادم، وقد وضع ترامب أمام امتحان تسليط الجحيم على حماس، إن لم يعمل قادتها على إطلاق الرهائن الإسرائيليين، سينتقل نتنياهو لمرحلة محو ما تبقى من أشكال الحياة المتهالكة في قطاع غزة، لمحو آثار خطيئته السياسية، التي ارتكبها، عندما قرر بموافقة واشنطن إيصال الأموال لحماس، بحقائب عبر جهاز الشاباك الأمني، الذي كان قد منح جماعة حماس الترخيص بإنشاء المجمع الإسلامي، الذي أنشئت بين جدرانه حماس.

فنتنياهو البارع بالمراوغة يخادع عائلات الرهائن والأسرى الإسرائيليين، والمجتمع الدولي، لتسعير الجحيم إلى أعلى طاقة ممكنة، في حملة الإبادة التي يشنها جيش حكومته على الشعب الفلسطيني، بذريعة محاربة حماس. فهو على رأس ائتلاف مقتنع بأن تحقيق أهداف المشروع الصهيوني البعيدة المدى سياسيًا وجغرافيًا وأمنيًا -وفق خريطته- وتغيير وجه الشرق الأوسط، يتطلب تحطيم فرص الحياة الحرة الكريمة للشعب الفلسطيني، وتبديد مبدأ الانتماء الوطني، وفكرة الحرية والتحرر والاستقلال والدولة نهائيًا، وتهجيره قسرًا من أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين، وما حملاته العسكرية القاتلة المدمرة، الاستيطانية في مدن الضفة وبالقلب منها القدس، وفي قطاع غزة، إلا مؤشر واضح على أهداف مخطط رسم سلفًا، ومنحه قادة حماس الفاشلون العبثيون السابع من أكتوبر كفرصة ذهبية وذريعة لتنفيذه.

أما قادة حماس، فإنهم لا يفكرون إلا في كيفية صنع انتصار وهمي مزيف -في أسوأ استغلال لقضية حق لا جدال فيها (حرية الأسرى)- لكسب دعم جماهيري ما، على خلفية الصفقة، يمكنهم من الاستمرار كسلطة انقلاب، وأمر واقع، على مليوني نازح فلسطيني في قطاع غزة، حيث أعدمت إسرائيل مقومات حياة كافة، بشهادة منظمات دولية.

فالأسرى الفلسطينيون في معتقلات الاحتلال وتحديدا ذوي الأحكام العالية -كما نقدر ونعتقد- إنهم على درجة من الوطنية والعقلانية والواقعية، والتضحية بما يكفي، حتى لا يسمحوا لأي كان، أخذ قضيتهم، كملف مساومة، ترشح منه مصالح فئوية (لا وطنية) على الهواء مباشرة، فحريتهم لن تكون ذات معنى، مقابل تحويل قطاع غزة إلى قبر للأحياء قبل الضحايا الشهداء، بدلاً عن وطن للحياة.

فللأسرى الفلسطينيين وذويهم، القول الفصل، وبإمكانهم كما عودونا، أخذ زمام المبادرة، للمساهمة بثقل مؤكد، بتحرير أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في غزة، وإنقاذهم من براثن مجرمي الحرب، والمجرمين ضد الإنسانية وزراء حكومة الصهيونية الدينية في إسرائيل وجنرالات جيشها، فحرية الأسرى مسؤولية أخلاقية وطنية، وثابت من ثوابتنا الوطنية، ومكانهم الطبيعي مع أهاليهم في وطنهم فلسطين، وفي كنف دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، والقيادة الفلسطينية، لم ولن تتراجع عن هذا الثابت أبدًا، ذلك أنها تحمي هدف الحرية للأسرى، وتعززه بشرعية ومشروعية وطنية، وتسنده بإنجازات بالمحافل الدولية، والقانونية والقضائية الأممية لصالح فلسطين وكل الشعب الفلسطيني.