لم يلق نداء الاستغاثة الذي أصدره مدير مستشفى كمال عدوان أي أذان صاغية، في هذا العالم الظالم الذي يواصل صمته ووقوفه على ضفة الحياد بلا حياء، النداء الذي حمل رسالة إنسانية هامة مفادها حصار المستشفى وتوقفه عن العمل، وقصف بعض الأقسام واعتقال عدد من الأطقم الطبية، ومنع دخول الماء والدواء والكهرباء، وهو المستشفى الوحيد في شمال القطاع الذي يقدم بعض الخدمات الصحية الطارئة، بعد أن تعرضت غالبية أقسامه إلى الخراب طيلة أشهر حرب الإبادة والتطهير العرقي.
الفيديو الذي خرج بلسان مدير مستشفى كمال عدوان يصف حجم المعاناة، ولسان حال الطبيب المنهك بجسد متعب وصوت يعد الخيبات جراء تقاعس العالم وتقاعس الدول الشقيقة والصديقة، وهو تعبير حقيقي عن واقع مستحيل وظروف غير محتملة في ظل فقدان كل شيء، فشمال القطاع بات قطعة محاصرة من كل الجهات، يتعرض لأبشع أنواع الجوع والعطش والقصف المتواصل، ولإرهاب الجنود المدججين بالعتاد والسلاح، وليس الحال مقتصرًا على الشمال فكل غزة تتعرض لحرب الإبادة والتطهير العرقي المتواصلة من دون توقف.
حالة العجز الدولي والعالمي، لم تظهر اليوم في عدم الاستجابة لنداء مدير مستشفى كمال عدوان، بل إنها متواصلة منذ بدأت المقتلة، حيث تقاعس العالم عن نداءات مستشفيات غزة كلها من شمالها إلى جنوبها، وقد تعرضت جميعها للقصف والخراب، ولم تسلم الأطقم الطبية ولا سيارات الإسعاف والدفاع المدني ومؤسسات الصليب الأحمر والأونروا، فقد اقترف الاحتلال أبشع ما حدث في التاريخ الإنساني ولم يحترم المواثيق والقوانين الدولية، وأظهر مدى حقده ودمويته ببشاعة لم يعهدها التاريخ من قبل.
حرب الإبادة الجماعية في غزة مستمرة، تتصاعد في منطقة الشمال الذي يتعرض منذ أشهر لحصار مطبق وقتل منظم وقصف من كل الجهات، والهدف منه هو تنفيذ عملية تطهير عرقي بحق السكان الذي يتجاوز عددهم حوالي نصف مليون إنسان، وهم يرفضون النزوح ويتمسكون بالبقاء ولو على ركام بيوتهم المدمرة، وأمام حالة ثبات الناس في ظرفهم المستحيل، تتصاعد وتيرة القتل والدموية بكل أشكالها، وتزداد جرائم الجنود وبربريتهم على هذا النحو الذي يحدث كل لحظة.
إن حقيقة الواقع وما يعيشه الناس في غزة من ظروف مستحيلة العيش، في ظل الحصار والقتل والدمار، وصمة عار على جبين الإنسانية التي غابت وغيبت نفسها وهي ترى وتشهد ما يحدث منذ اليوم الأول، وهي تواصل وقوفها على جهة الحياد، في ظل استمرار الإبادة والتطهير العرقي.
لعل العالم يصحو من غفلته، وينهض من دوائر صمته وجبنه، وينهي هذا الظلم والمعاناة، وهذه الإبادة الجماعية، ويحاسب الجناة والقتلة الذين يجاهرون بأنهم فوق العدالة وفوق كل المواثيق الدولية، وأن لا أحد على وجه المعمورة يمكنه تقديمهم للمحاكمة العادلة. هذا العلو الذي يجعلهم يفكرون بهذا الشكل، لأن ظرف الحاضر الدولي منحاز وقليل حياء، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فنحن على ثقة بأن زمان العدل قادم، وسيحاكم الجناة في المحاكم الدولية على أفعالهم وجرائمهم المستمرة ضد الإنسانية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها