إن استخدام وسائل وأدوات في الكفاح الوطني – حتى لو كانت مشروعة في القانون الدولي - ستكون نتائجها عكسية، ما لم تحسب كل تفاصيل الواقع الراهن في جبهة (العدو) بدقة، فرئيس حكومة منظومة الاحتلال (اسرائيل) بنيامين نتنياهو استغل ما سماها " هجمات صاروخية من الشمال والجنوب تهدد أمن اسرائيل " للالتفاف على الخصام الشديد مع اركان جيش المنظومة، وتحديدا ضباط الاحتياط في سلاح الطيران حيث اعلن كثير منهم رفضهم الأوامر، قبل تأجيل انقلابه على(القضاء الاسرائيلي) حين طالب بعد رشقة القذائف الصاروخية " بدعوة قوات الاحتياط مع التركيز على سلاح الجو "، ليس هذا وحسب، بل زاد أن رئيس المعارضة يائير لبيد اعلن " وقوفه مع حكومة خصمه نتنياهو ما دام الأمر يتعلق بأمن اسرائيل " علما ان اللحظة التي سبقت الخبر عن اطلاق عدة صواريخ على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، وما تبعها مما سمي رشقات صاروخية (رشيقة) انفجر معظمها في اراض فارغة، وما تبعها من رد اسرائيلي على اراض في لبنان وغزة فارغة ايضا ! اللحظة السابقة لهذا كله كان الخصام السياسي والاجتماعي وحتى المذهبي اليهودي في المنظومة قد بلغ المساحة البرتقالية قبل الانقسام والاقتتال، حتى ان بعضهم قد بدأ ينذر من خطر حرب اهلية، وآخرون بدأوا يتحدثون عن " تهديد سينال من وجود اسرائيل " ! لكن هل نجح نتنياهو الترزي الماهر، بتحويل " الصاروخ " ودخانه الدعائي الاعلامي الى "ابرة وخيط " لرتق الفتق الأكبر في رداء المنظومة الأسوأ في تاريخ البشرية قبل انكشاف عورتها ؟!.
إن التبشير بانهيار جيش وحكومة ومنظومة " العدو " تقزيم لقدراته التي لا تخفى على احد، وتجاهل أهم قاعدة في الصراع، وهي وجوب معرفة العدو، والتعامل مع الحقائق مجردة، والحديث بواقعية وموضوعية عن قوة "العدو " ليس احباطا ولا تعميما لليأس، كما يظن البعض المتحمس والمتحمسن، فالعكس هو الصحيح شرط تقديم القراءة والرؤية والتحليل للحدث ضمن دائرته وأسبابه ومبرراته وتداعياته، ارتكازا على معرفة بفلسفة وعقيدة (العدو) العسكرية، فمنظومة الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الصهيوني (اسرائيل) ما زالت تتبع فلسفة الردع الدموية التدميرية، دون النظر الى التناسب مع السلاح المستخدم أو طبيعة الحدث وحجمه وخسائره، وقد انشئت، وما زالت حتى الساعة تطبق فلسفة الردع (الجريمة ضد الانسانية) و (جريمة الحرب) أي المجازر الدموية، واجتثاث اشكال الحياة، لكن حتى هذه العقيدة العسكرية - التي نعتقد انها ستكون بمثابة عملية تدمير ذاتي على المدى البعيد للمنظومة – يمكن شرحها للمتلقي، مع بيان قدرة الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية الوطنية على تحديها، وفشل المنظومة في اخضاعه ودفعه للتسليم والاستسلام، رغم تطبيق الدولة القائمة بالاحتلال (اسرائيل) عقيدة الردع بأساليب قد يكون مصطلح (الهمجية) وصفا مخففا، نظرا لفظاعة الجرائم التي يرتكبها جيشها بقرارات من رئاسة حكومتها ومجلسها الوزاري.. فالشعب الفلسطيني أبدع وما زال يبدع اساليب نضال مشروعة، منسجمة مع القوانين والمواثيق الدولية والأممية، وهدفه انتزاع حريته واستقلاله وحقه في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، لكن هذا الكفاح الممتدة جذوره لأكثر من مئة عام بأساليب كان كل منها متناسبا مع كل ظرف وواقع، كان يدفع قيادته لتقييم كل مرحلة، واستخلاص الدروس والعبر، والاتجاه نحو الغوص أكثر في معرفة ادق التفاصيل عن تركيبة هذه المنظومة السياسية الاجتماعية الطبقية والدينية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والخلفيات التاريخية التي اتخذتها ذريعة لاختراع مقولة " الشعب اليهودي " ونعتقد أن الرئيس محمود عباس أبو مازن هو نموذجنا المثالي في هذا السياق، فهو صاحب عشرات الكتب والمؤلفات التي تبين لنا حقائق ووقائع هذه المنظومة بالمعلومات الموثقة والمؤرخة باليوم والشهر والسنة، وكذلك بالأرقام، وكل ذلك بلغة المؤمن بحق الشعب الفلسطيني التاريخي في ارض وطنه فلسطين، وبلغة الواثق بحتمية انتصاره وانتزاع حقه المسلوب بمؤامرة استعمارية دولية كانت الصهيونية اداة التنفيذ، فالرئيس أبو مازن قد كتب :" الطبيعة لا تقبل حجمين في مكان واحد لا يتسع إلا لواحد منهما " لذلك كان لا بد من تثبيت مكانة فلسطين بموقعها الجغرافي على خريطة العالم السياسية والجغرافية وفي القانون الدولي، حتى لا تتمكن قوى الاستعمار الدولي من تثبيت المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري كحجم وحيد في فلسطين، لذلك كانت فكرة توفير مقومات الصمود والتجذر أكثر بالأرض، ومنهج المقاومة الشعبية السلمية، وبالتوازي النضال في ميادين القانون الدولي ومنظمات الشرعية الدولية احد الدروس المستخلصة، والمؤكد تأثيره المباشر على منظومة الاحتلال الفاشية (اسرائيل).
المصدر:الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها