عندما رفع الإخوان المسلمون زعيم جماعتهم سيد قطب، ومنظرها حسن البنا إلى مرتبة الأنبياء، وجعلوا كلامهما وما كتباه مقدسًا غير خاضع للنقاش، من البديهي ألا يتورع ناطق باسم عسكر ومسلحي فرع الجماعة في فلسطين المسمى (حماس) عن تقديم رأس جماعته في غزة (يحيى السنوار) على المقدسات الوطنية والإسلامية أيضًا!! واعتباره أهم منها منزلة ومكانة، وأن الثأر له سيكون أشد وأصعب وأكبر مما حدث فيما سموه عمليات (سيف القدس )العسكرية  السنة الماضية .

فهذا أبو عبيدة الناطق باسم مسلحي حماس الذي صار بلسانه الناري نجمًا إعلاميًا غير معروف الملامح قد أنذر المنطقة بزلزال و" فصل كارثي" على منظومة الاحتلال، ليس بسبب جرائم المحتلين الغزاة الصهاينة في باحات الحرم القدسي وتحت قبة المسجد الأقصى، واقتحامات المستوطنين للمسجد والحرم الابراهيمي ورفع علم كيانهم العنصري وإنما ردًا على تصريح عضو كنيست متطرف طالب بقصف منزل السنوار ردًا على عملية الطعن في مستوطنة (العاد) قرب تل ابيب، فقال هذا الذي يرى السنوار أهم من القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية: "إن المساس بالسنوار سيؤدي لرد غير مسبوق، وإن معركة سيف القدس ستكون حدثًا عاديًا مقارنة بما سيشاهده العدو"!

لا جديد في عملية الإخوان المسلمين التي بدؤوها قبل حوالي 94 عامًا بالتزامن مع نشوء المنظمة الصهيونية العنصرية، وهدفها تحطيم الوعي الفردي والجمعي للإنسان المواطن الفلسطيني والعربي خصوصًا والمسلم عمومًا، سوى أنها إعادة تذكير أفراد الجماعة بأن (الشخص ) في الجماعة، وشخصية التنظيم أهم من الوطن ومقدساته، وما سابقة تقديس البنا وقطب وإلحاقها بيحيى السنوار مرورًا بمحمد مرسي إلا انعكاس طبيعي لعقيدة (عبادة الأصنام الآدمية) التي حملت كل تعاليم مرحلة عبادة الأصنام الحجرية في زمن الجاهلية، وحولتها الى أصنام تتكلم وتجري في عروقها دماء، لكنها مجردة نهائيًا من ثقافة الانتماء الوطني الانسانية .

رسائل حماس بهذا الاتجاه خطيرة جدًا، فتصريحات بهذا المضمون بمثابة عمليات تفجيرية في حاضرة ثقافة الشعب الفلسطيني وتاريخه الكفاحي، علاوة على أضرارها البالغة على صورة النضال الوطني للشعب الفلسطيني لأكثر من مئة عام في مقاومة مشروع  الاحتلال  الاستيطاني العنصري لدى دائرتي شعوب العالم المساندة والمؤيدة للحق الفلسطيني، وشعوب الأمتين  العربية والإسلامية، ذلك ان صفحات كتاب وسجل تاريخ الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني، وكذلك الأشقاء العرب، ومعنا شعوب العالم الحرة خالية تماما من هذا (الشذوذ السياسي ) لأنه بكل بساطة سمة خاصة (بالجماعات العصبوية  الفئوية) ذات الأهداف الخاصة المنفصلة عن اهداف الشعب ومصالحه الوطنية العليا، علاوة على مخالفته لأبسط المفاهيم والموروث الثقافي الوطني الفلسطيني والعربي الإنساني حيث رفع الوطن بأرضه وشعبه ورموزه التاريخية الحضارية إلى مرتبة المقدس بعد الله جل وتعالى، وحيث كرس المناضل ، المقاتل، المجاهد،  الجندي، القائد نفسه ودمه وروحه من أجل مجد الوطن وحريته واستقلاله وخلوده، وكان على استعداد بأي لحظة لافتدائه، فنحن نفخر أن واحدا من قادة النضال الوطني الفلسطيني لم يستثن نفسه من الارتقاء في ميادين المواجهة، أو أنه وضع اسمه أو شخصه في كفة ميزان مقابل الوطن ومقدساته في الحد الأدنى، أما وأننا أمام مشهد رفع مكانة (السنوار) لأعلى من مكانة القدس والمسجد الأقصى ؟! عن سابق تصميم وترصد، فهذا ما وجب اعتباره جريمة بحق الموروث الثقافي الوطني الحديث والقديم، وفي هذا المقام نذكر السنوار والناطق باسمه أن المناضل الفدائي القائد الرمز ابو عمار كان حتى اللحظة الأخيرة من حياته حتى استشهاده يصر على أن يكون هتاف الجماهير للوطن فيبادر لاطلاق العبارة  :" بالروح بالدم نفديك يا فلسطين " بدلاً من هتاف الجماهير :" بالروح بالدم نفديك يا بوعمار " .

 لم يتحدث مفكرون أو مشتغلون بنظم استراتيجيات منظومة الاحتلال العنصري الاسرائيلي عن خطر واحد من رؤوس حماس أو غيرها من الجماعات والتنظيمات المستخدمة للدين على كيان منظومة الاحتلال، لكنهم حذروا في مؤتمرات وتصريحات من أعلى المستويات عن  "خطر الفلسطيني المناضل سيادة الرئيس محمود عباس على وجود إسرائيل " ما يعني بالنسبة لنا أنه دائما في دائرة الاستهداف والاغتيال، ونعتقد ان رؤوس المستوطنين قد اعلنوا ذلك صراحة بملصقات نشرتها منظمة ( طريق الحياة ) بعد مقتل جنود ومستوطنين على حاجز عسكري قرب رام الله قبل ثلاث سنوات ونصف حيث دعا متحدث باسمها ويدعى " أوري كرسنوبم، " لقتل الرئيس ابو مازن ومساعديه، ورغم ذلك لم نزلزل وسائل الإعلام بتصريحات جوفاء، ولم نتوعد منظومة الاحتلال بكارثة، ولم نهدد، لأننا كنا وما زلنا على يقين أن من يختار موقع المقدمة في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري، ويعمل بصدق وإخلاص وصبر وحكمة وعقلانية وواقعية سياسية قائمة على مبدأ الحق التاريخي والطبيعي لا يخشى الموت على درب تحرير واستقلال الوطن بالوسائل المشروعة المتاحة في ظروف اقليمية ودولية معقدة للغاية، ونعتقد أن رؤوس حماس قد سمعوا ما قاله الرئيس ابو مازن اكثر من مرة: "لن انهي حياتي بخيانة" بعد تهديدات مباشرة وصلته أو قيلت أمامه وجها لوجه من مسؤولين بمستوى وزراء في الادارة الأميركية السابقة ومنظومتها في المنطقة (إسرائيل).

صحيح أن حماس لم تبق قناعًا إلا وأسقطته وكشفت عن عورتها كجماعة فئوية لا أكثر، لكن خطر تعاليمها مفاهيمها المنسق كما يبدو مع المنظومة على وعي شعبنا ما زال اقوى وأشد من حملات منظومة الاحتلال وحروبها النارية المدمرة، فهذه تقوينا طالما أنها لا تميتنا، أما حماس فإنها تجفف ثقافتنا الوطنية حتى نصبح كما أراد رؤوس المنظومة الصهيونية مجرد مجموعات بشرية  بلا انتماء، ولا هوية.   

المصدر: الحياة الجديدة