صدح الفنان لبيب بدارنة بالنشيد الفلسطيني "موطني" في ظلال علم فلسطين المرفوع بمئات النسخ وبمقاسات عدة، والجماهير متشحة بالكوفية الفلسطينية، وصدى أصوات الحناجر المطالبة بحق عودة الفلسطينيين إلى قراهم التي هُجّروا منها عام 1948.

 

أحيا المواطنون الفلسطينيون في الجليل شمال فلسطين المحتلة مسيرة العودة السنوية الـ25 إلى قرية ميعار المهجرة، ونعتقد أن الفلسطيني محمد بركة (أبو السعيد) رئيس لجنة المتابعة العليا قد لخص بكلمات موجزة ما يود كل مواطن فلسطيني البوح به، فقد قال في هذا اللقاء القديم المتجدد مع الأرض التاريخية والبيت: "هذه المسيرة إشهار لروايتنا وتحد للرواية الصهيونية، لا يمكن أن نعيش في هذا الوطن إلا أوفياء لبلادنا ووطننا، فصراعنا ليس على حفنة تراب، بل على وطن وتاريخ وهوية يحاولون انتزاعها واغتيالها. نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني".. وعلى هذه المعاني نراهن ومنها نبدأ.

 

صحيح أن ما فعله المشروع الاستعماري الأميركي البريطاني بشعبنا منذ وعد بلفور حتى الحملة العسكرية في الخامس عشر من أيار/ مايو من العام 1948 كان جريمة تاريخية بحق الإنسانية، لا يمكن للقوانين الدولية والإنسانية استيعاب حيثياتها، إلا أن مخططات إبادتنا التي جربوها على الأرض فعلاً، ومساعيهم لإسقاطنا في فوهات مآس ومعاناة بلا حدود، وإغراقنا في بحر نكبة تحلل مياهه المرة الحارقة وعينا وانتمائنا الوطني، وتبخره كما تتبخر مياه المستنقعات الراكدة لم تتحقق،  فمشيئة الذين خططوا وارتكبوا المجازر، واستخدموا كل أشكال وأصناف جرائم الحرب لتحقيق هدفهم " فلسطين بلا شعب " لم تكن غالبة لمشيئة الشعب الفلسطيني وإرادته، الذي استطاع النهوض رغم فظاعة وقوة وجبروت الغزاة الصهاينة الذين استخدمتهم بريطانيا العظمى آنذاك والولايات المتحدة الأميركية  كأدوات لتنفيذ مشروعهما الاستعماري الذي ما زلنا نشهد واقعه وآثاره بوضوح على أرض وطننا فلسطين وفي أقطار الوطن العربي.   

 

قد يكون مصطلح النكبة قليلاً مقارنة بما حدث لشعبنا قبل (74 سنة) وذلك بمعيار مجازر التنظيمات اليهودية الصهيونية الإجرامية، والحرب ومنهج التهجير القسري، وإبعاد المواطن الفلسطيني عن أرضه وبيته وأملاكه ومصادر رزقه، وبمعيار المؤامرة حتى على اللاجئين الفلسطينيين الذين "وجدوا الخيام والفراش والأغطية جاهزة في مخيمات اللجوء". كان مقدرًا لها أن تكون ممرا نحو (التيه الأكبر) والهجرة الأعظم، التي صمموا مساراتها لتكون هجرة نهائية من فكرة الوطن، والأرض والانتماء  والهوية، أي بالمختصر المفيد  هجرة  الفلسطيني  من شرفه وثقافته الإنسانية.. وقد يكون المصطلح مناسبًا في سياق سردنا للرواية الفلسطينية وحقنا التاريخي في أرض وطننا فلسطين، أمام الرأي العام العالمي، بكل ما يحتويه المصطلح من وقائع مثبتة وثابتة في سجلات المنظمات الدولية، وأرشيف الأمم المتحدة، لكن مصطلح النكبة ثقيل ومبالغ فيه، وذلك بمعيار صمود الشعب الفلسطيني، وإظهار أحسن وجوه إرادته بالثورة الفلسطينية المعاصرة بعد سبعة عشر عامًا أي في الفاتح من العام 1965 واعتزازه وفخره بهويته وشخصيته الحضارية، وعمله الدؤوب على استعادة  مكانتها بصورة أفضل مما كانت، وتثبيت فلسطين التاريخية والطبيعية  كجزء لا يتجزأ من خريطة العالم السياسية، والأهم أن رؤوس  المنظومة الصهيونية الذين عملوا على رؤية فلسطين بلا شعب اعترفوا بالشعب الفلسطيني وبممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، فمصطلح النكبة اليوم  بمعيار رؤيتنا لذاتنا الفلسطينية المتنامية' أعتقد أنه لا يليق بشعبنا الذي أثبت ويثبت كل يوم أن النكبة الحقيقية قد وقعت على رؤوس المشروع الصهيوني ومستخدميهم، وعلى نسبة لا تزيد عن ثلث رقم تعداد اليهود المنتمين لجنسيات دول كثيرة (25 مليونًا) حيث استطاعت المنظومة العنصرية خداعهم، وإخضاعهم لتأثيرات دعايتها الممنهجة، وإغراءات غير مسبوقة، لكن شعبنا الفلسطيني وعبر ثورته المعاصرة، وحكمة قيادته السياسية وتمسكها بالحق التاريخي والطبيعي والعمل على انتزاعه بالوسائل المشروعة في القانون الدولي، منع منظومة الاحتلال من تحقيق الأمن والاستقرار على مدى ثلاثة أرباع القرن منذ إنشاء الكيان الاستيطاني العنصري تحت مسمى (إسرائيل)، رغم الدعم المفتوح المالي والسياسي والأمني والعسكري من قوى عظمى استعمارية على رأسها اليوم الولايات المتحدة الأميركية. 

نستطيع القول بكل ثقة إننا كنا أقوى من النكبة، ويتعزز إيماننا بذلك عندما نسمع الفلسطيني غازي شحادة مدير جمعيّة (الزعتر ميعار) موجها كلامه لمنظومة الاحتلال الإسرائيلي: "لن يعطيكم الحق على هذا الأرض، فقد غزوتم أرضنا وأخذتم بلادنا بمؤامرة عالمية، وأن الحق الضميري والإلهي يقول إنّ الأرض من البحر إلى النهر لنا. ولأنّنا نحب الحياة نقول إنّ هذا الفضاء يتّسع لنا ولمن يريد العيش بسلام وهدوء، فالتاريخ لن ينسى، لقد جلبتم سكانًا ليسوا من أبناء المكان وهذا الشعب الصابر لن ينسى وسيأتي يوم العودة".

المصدر: الحياة الجديدة