عندما تتحكم النرجسية من رجل حكم، ملكًا أم رئيسًا أو رئيس وزراء، أو رئيسًا لجهاز أمن، أو حتى رئيس أو مدير شركة خاصة، فإنه لا يرى سوى نفسه ومصالحه، وكلما ارتقت مسؤولياته، زادت فداحة الأخطاء والخطايا، لأن أمثال هؤلاء يعتقدون أنهم الأكثر قدرة من الآخرين، وعليهم أن يكونوا خدمًا له، أو يعملون تحت إمرته، وينفذون أوامره دون حساب ودون مراجعة لخطواتهم وسياساتهم ومصائبهم ولعناتهم.

من هؤلاء كان دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، وصديقه المسكون حتى أعماقه بالنرجسيه، وملك الفساد والبلطجة، بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة تسيير الأعمال، الذي جير كل مؤسسات ووزارات دولة المشروع الصهيونية الاستعمارية في خدمة غاياته ونزعاته وجنون عظمته. فلم يبق قضاء، ولا مؤسسة أمنية، ولا حكومة ولا وزارة مالية إلا ووظفها لحاجاته الذاتية، وحتى المؤسسات والشركات الخاصة ورؤساؤها حولها لأدوات في خدمة أجندته وأجندة عائلته.

وآخر ما ارتكبه من حماقات هددت أمن دولة إسرائيل كان الخميس الماضي عندما أوعز لوزيرة الاتصالات، ميري ريغيف بإغلاق المجال الجوي أمام رحلات الطيران القادمة من المملكة الأردنية الهاشمية، حتى يحقق أكثر من غاية، الأولى تأمين سفره للإمارات، بعد أن منعت السلطات الأردنية طائرته من عبور الأجواء الأردنية في طريقه لزيارة الإمارات، وذلك ردًا على إعاقة اسرائيل زيارة ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للمسجد الأقصى لإحياء ذكرى الإسراء والمعراج، رغم وجود اتفاق على الزيارة. لا سيما وأنه كان متفقًا مع قيادة دولة الإمارات على ارسال طائرة خاصة لتقله من مطار الملكة علياء الأردني؛ الثاني لمنع وصول غابي أشكنازي، وزير خارجية حكومته إلى الإمارات قبله. مع أنه متجه لمهمة رسمية لفتح سفارتي إسرائيل في كل من الإمارات والبحرين.

لكن نتنياهو لا يحسبها وفق مصالح دولة الاستعمار، إنما إنطلاقًا من حساباته الانتخابية الخاصة. وكل الزيارة من أصلها تتعلق بالحملة الانتخابية. والأخطر من ذلك، أن رئيس الحكومة الفاسد، قلب الحقائق رأسًا على عقب، وسرب أخبارًا كاذبة، عندما اتهم القيادة الأردنية بانها هي، التي أغلقت الأجواء، ومنعت طائرته من السفر، لتتبين الحقيقة لاحقًا وفق بن كاسبيت وموقع "واللا" الإسرائيلي، أنه هو، وليس أحد غيره وراء القرار، ووفق بيني غانتس والعديد من القيادات الإسرائيلية، فإن تصرف الملك الفاسد أضر بالأمن الإسرائيلي، وهدد السلامة العامة للطيران دون ان يكون هناك قرار من الكابينت المصغر، أو حتى من غير التنسيق مع وزيري الدفاع والخارجية او رئيسي جهازي الموساد او الشين بيت. أخذ قرارًا فرديًا دون العودة لإية جهة رسمية ذات صلة.وهو ما يؤكد للمرة الألف أن الدولة الصهيونية منذ ولدت لم تكن إلا دولة عنصرية معادية للديمقراطية ووصلت لمرحلة الفاشية والإستبداد تحت ظل حكم ملك الإرهاب والجريمة المنظمة والفساد على حد سواء.

وهذا ما خلص له العديد من كتاب الرأي الصهاينة انفسهم، من أن رجل الأنا القاطن في بلفور، لم يعد يرَ أحدًا في الدولة، ويجير كل عمل مهما كان صغيرًا لصالحه، حتى لو شاء فتح زاروب أو حنفية ماء في مستعمرة في الأغوار أو الخليل. ويسير كالطاووس متغطرسًا، ضاربًا عرض الحائط باقرانه في مجلس الوزراء، لا يعير أي منهم الأهمية، ولا يتبادل معهم المشورة في قضايا تخص أمن إسرائيل، لإنه لا يثق فيهم، ولا يأتمنهم، ويخشاهم ويعتبرهم متربصين به، يريدون الإنتقام منه.

لهذا، يعتبر نتنياهو نفسه، هو الوحيد المؤتمن على الدولة، دولة الأنا النتنياهوية، لذا لم تعد الدولة دولة إلا بالمعنى الشكلي، لإن القضاء معطل، مجلس الوزراء لا يعمل إلآ وفق اجندته، كذا وزارات التعليم الصحة وحتى التطعيم للقاح والاقتصاد والأمن... إلخ كل المؤسسات تتحرك وفق رؤيته وبرنامجه الانتخابي الخاص. النتيجة المرأية، أن زعيم الليكود لا تحكمه معايير ولا ضوابط سياسية أو أمنية أو قانونية أو أخلاقية أو دينية، لأنه يعتبر كل ما يخدم مصلحته وفوزه في الإنتخابات، وبقاءه في الحكم، جزءا من أدواته في بلوغ هدف الأنا المتضخمة. وهو ما يشير مجددًا للآفاق التي تتجه نحوها دولة الإرهاب والاستعمار والجريمة المنظمة، أنها تسير بخطى حثيثة نحو الإفلاس والانهيار ولو بعد حين.