انتهى اجتماع فصائل العمل الوطني في القاهرة البارحة ليلاً بعد يومين مضنيين من الاجتماعات، أدت إلى توافقها على إجراء انتخابات عامة وفقًا للمرسوم الرئاسي الذي صدر في منتصف كانون الثااني/يناير الماضي. وقد أكدت هذه الفصائل إرادتها بالدخول في المعترك الانتخابي وفقا لروح المنافسة الشريفة، وبعيداً عن حملات التشهير والتدخلات الأمنية في العملية الانتخابية، كما اتفقت الفصائل على احترام نتائج الانتخابات العامة بما فيها الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني اللاحقة.
وفي الواقع، عكست روح الاتفاق الفصائلي النهج التوافقي للرئيس أبو مازن، الذي أكد مراراً أهمية الاحتكام الى صناديق الاقتراع وإرادة الناخب في إنهاء الانقسام وترسيخ العملية الديمقراطية. وقد عبرت إرادة الرئيس ودعواته مرات ومرات على أهمية انعقاد الانتخابات العامة وفقاً لروح المنافسة الديمقراطية وتحقيقاً لأعلى مستويات المشاركة السياسية.
وعندما أعلن الرئيس في الدورة 74 لاجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 2019 نيته إعلان الانتخابات العامة كآلية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية؛ دولة المواطنة والحرية والمساواة، روجت العديد من الفئات المعارضة بأن هذه الدعوة تأتي في سياق البروباجندا السياسية، ولكن إصرار الرئيس أبو مازن على تذليل العقبات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية لعقد الانتخابات العامة، وإصراره أيضاً على إقناع الأحزاب وفصائل العمل الوطني بما فيها الأحزاب المعارضة، على أهمية إجراء الانتخابات، قد أدى بمجمله إلى انتصار إرادة الشعب الفلسطيني بتحقق الانتخابات، وتحقيق نهج الرئيس في تكريس العملية الديمقراطية وإنهاء الانقسام.
من يعرف الرئيس أبو مازن ويقرأ كتبه التي تزيد عن المائة كتاب، يعرف جيداً درجة الديمقراطية والقيم العليا التي ترسخت في وجدانه وسلوكه السياسي. والمتتبع لهذا السلوك وهذه السياسة يدرك إلى جانب ذلك إيمان الرئيس بقيم الحرية والمشاركة والعدالة والمساواة. فالرئيس أبو مازن عندما انتخب عام 2005، أصر على إقناع الفصائل الوطنية في عدم مقاطعة الانتخابات التشريعية وتحقيق الشراكة الوطنية، وهذا ما تم فعلاً في اتفاق الفصائل في القاهرة عام 2005. وعندما فازت حركة حماس، دعا الرئيس أبو مازن إلى احترام نتائج الانتخابات التشريعية والمضي قدماً في العملية السياسية. وبعد حدوث الانقلاب العسكري عام 2007، دعا الرئيس مراراً إلى المصالحة وإقرار كافة الاتفاقات المتعلقة بالمصالحة، بما فيها اتفاقات القاهرة عام 2013، وعام 2017. بل إنه دعا لتذليل العقبات أمام تطبيقها. وعندما تعطلت جميع هذه الاتفاقات، جدد الرئيس أبو مازن دعوته الذهاب الى الانتخابات كمدخل للمصالحة وليس العكس. حتى لو جاءت هذه الانتخابات في إطار قائمة مشتركة، وذلك بهدف طمأنة الأحزاب المنافسة. وهذه المبادرات الرئاسية تشير بشكل واضح الى أن قيم الديمقراطية التوافقية مترسخة في نهج الرئيس أبو مازن، ولم تأت بتاتاً على صعيد المناورات السياسية. وما نجاح الفصائل الوطنية البارحة في التوافق على إجراء الانتخابات العامة إلا تأكيد على هذا النهج التوافقي للرئيس وإصراره على تقديم كل ما يمكن تقديمه من أجل نجاح الانتخابات العامة.
وإذا ما نظرنا إلى المرسوم الرئاسي الداعي للانتخابات، نجده أيضًا يعبر عن حالة الديمقراطية التوافقية والتشاركية التي يتبناها الرئيس أبو مازن، فالنظام الانتخابي النسبي هو أحد المرتكزات الأساسية في أي نظام ديمقراطي توافقي، لأنه يبنى على فكرة "أن الجميع يحكم" في إشارة إلى زيادة فرص الأحزاب الصغيرة في الفوز بمقاعد برلمانية في إطار النظام النسبي. ومن جانب آخر، فإن المرسوم الرئاسي برفع الكوتا النسوية إلى 26% يوضح إيمان الرئيس العميق بضرورة إتاحة المجال لمشاركة وتمثيل الفئات المهمشة وأهمها النساء في العمل العام. كما أن تعديلات المرسوم الانتخابي بقانون للعام 2007، عدلت حتى من طريقة انتخاب الرئيس، وجعلته على دورتين أو مرحلتين إذا لم يتم تحقق الأغلبية البسيطة لأي من المرشحين، وفي ذلك إشارة واضحة إلى إصرار الرئيس أبو مازن على تحقيق الديمقراطية التشاركية بعيداً عن فكرة المصلحة السياسية.
وأخيراً، يردد الرئيس باستمرار عبارته التوافقية الشهيرة في اجتماعات الفصائل، وهي "ما تتفق عليه الفصائل نحن نقبله". وهذا يؤكد نهجه التوافقي، ويعبر عن أهمية الديمقراطية التوافقية في تكريس قيم الديمقراطية في المجتمعات المنقسمة. وقد أشار لذلك "ليبهارت" مؤسس النظرية الديمقراطية التوافقية عندما قال "يجب على الجميع تقاسم السلطة في المجتمعات المنقسمة من أجل ضمان أن يحكم الجميع". وفي هذا الإطار: فإن سلوك السيد الرئيس لا ينحصر في هذا المفهوم النظري، ولكنه يتجاوزه لتشكيل الائتلافات الواسعة قبل الانتخابات والوصول الى الادماج والوحدة تدريجيا بفعل تعزيز الثقة بين الفرقاء، والتوافق على برنامج وطني موحد ضد الاحتلال ونحو بناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. نعم لك سيدي الرئيس، ونعم لتوافقيتك، ومعاً من أجل إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها