إحدى ركائز الدعاية الصهيونية، أن اليهود هم ضحايا لوحشية الآخرين، وهذا صحيح بنسبة كبيرة، وما لا تريده إسرائيل إطلاقًا، وكانت تلقي باستمرار الغطاء عليه، إنها هي أيضًا تمارس الوحشية، هذا هو السبب الرئيسي لمسارعة نتنياهو بإخافة محكمة الجنايات الدولية، واتهامها سلفا بأنها معادية للسامية. كل كتب التاريخ اليهودية ذات التوجه الصهيوني وحتى يومنا هذا تحدثت عن وحشية أوروبا المسيحية، ووحشية العرب والمسلمين عمومًا تجاه الأقلية اليهودية، وفي إطار هذه الدعاية وضعت الصهيونية  معظم اليهود تحت مظلتها ووجهتهم إلى فلسطين، وأقامت دولة إسرائيل، واستحوذت على تعاطف الدول الكبرى.
وبعد أن قامت إسرائيل، كان من الضروري أن تكون دولة فوق القانون والمحاسبة، كي تبقى نظيفة، وتبقى دعاية وحشية الآخر هي وحدها بالمشهد، وتبقى الدعاية الصهيونية فعالة، ومن هنا ردة الفعل الهستيرية على قرار محكمة الجنايات باعتبار الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية ضمن ولايتها. وللموضوعية فنحن نعترف بما تعرض له اليهود في مختلف مراحل التاريخ، وصولًا إلى الهولوكوست النازية خلال الحرب العالمية الثاتية، ولكن هل هذا التاريخ يعطي لإسرائيل  الحق باحتلال شعب آخر والسيطرة علية بالقوة والاستيلاء على أرضه وبناء المستوطنات عليها بما ينتهك القانون الدولي.
بعد السبب الرئيس هذا، تأتي أسباب أخرى لا تقل أهمية وهي سمعة  الجيش الإسرائيلي، وجنرالات هذا الجيش وسمعة المؤسسة الأمنية، والتي هي خير ما تملكه إسرائيل،  فآخر شيء تريده الطبقة السياسية الإسرائيلية هو أن ترى جنودها وضباطها وقادتها يقفون أمام محكمة دولية ويحاكمون أمام العالم كمجرمي حرب، فهذا لن يهز صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي وحسب، وإنما ينسف أهم أسس الرواية الصهيونية.
استمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، الحماية من الدول الكبرى، أمعنت بارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، واستسهلت انتهاك القانون الدولي. وفي سباق ذلك قامت إسرائيل وبشكل وحشي بتطبيق سياسة التطهير العرقي، والتي ارتكبت خلالها عشرات المذابح وسياسة العقاب الحماعي، وهدم المنازل، وتقييد حركة المواطنين الفلسطينيين، عوضًا عن العنصرية وسياسة التميز ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وبسبب كل ذلك نرى ضرورة الجنائية الدولية لعلها توقف وبالقانون هذه السياسات لأبسط حقوق الإنسان.
نحن أمام المشكلة ذاتها حتى الآن، وهي أن الدول الكبرى مرة أخرى ستحاول إنقاذ اسرائيل من إمكانية محاسبتها. والغريب أن هذه الدول لا تزال ترى في إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بالرغم من أنها دولة احتلال، دولة قوانين عنصرية، دولة استيطان وتهويد.
لا أحد ينكر ما تعرض له اليهود من اضطهاد وهو أمر بشع ومدان، ولكن لا يمكن السكوت إلى الأبد عن جرائم  سلطة الاحتلال الإسرائيلية، فإما أن يطبق القانون الدولي على الجميع أو نذهب جميعًا لقانون الغاب.