مجددًا أعود لتسليط الضوء على القضاء الإسرائيلي ودوره الاستعماري، والمكمل لجرائم السلطتين التنفيذية والتشريعية في الإطباق على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية عبر الابتزاز الرخيص لمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية، والانتقاص من مكانتها القانونية السياسية، والسعي لتكبيل يد الوطنية الفلسطينية في الدفاع عن مكانتها ومشروعها وخيارها وبيتها الداخلي.

ومن بين الألاعيب الصهيونية الممجوجة والمفضوحة ما جرى تداوله في الآونة الأخيرة في الأوساط القضائية والإعلامية، من أن أفيخاي مندلبليت، المستشار القانوني لحكومة نتنياهو وجوقته الاستعمارية تعمل على رفع دعاوى لمحكمة العدل العليا على السلطة الوطنية، منها أولاً إسقاط مفهوم الدولة عن السلطة، لأنها من وجهة نظرهم وكل أركان القيادة الاستعمارية الصهيونية "ليست دولة" وبالتالي لا تتمتع بالحصانة؛ ثانيًا وفقًا لقوانين الدولة الاستعمارية، القائمة بالاستعمار الإجرامي على الأرض الفلسطينية فإن "المحاكم في إسرائيل مفوضة لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي يرتكبها سكانها، وفق زعمه ووفق موقع "القناة السابعة" في 16/ 7/2020، والهدف مما ذكر آنفا التلويح بابتزاز السلطة بذريعة أن "السلطة عذبت فلسطينيين، وسجنتهم على خلفية مساعدتهم لإسرائيل، فيما يخص منع الهجمات ضدهم". ليس هذا فحسب، بل أن محكمة الصلح الصهيونية قضت "بتعويض المدّعين ملايين الشواقل عن أيام السجن. ومن المتوقع أن يصل التعويض إلى مئات الملايين من الشواقل".أوهام إبليس في الجنة بالنتيجة النهائية.

ماذا نلاحظ فيما يجري تداوله في أوساط القضاء الاستعماري، أولاً الوقوع في دوامة ردود الفعل على الفعل الفلسطيني، وهو ما يعني قلب لمعادلة العلاقة التبادلية بين المستَعمَر والمستعمِر، ولم تعد دولة الكيان الصهيوني هي صاحبة الفعل الوحيدة، وبذات القدر لم تعد منظمة التحرير وقيادتها في موقع المتلقي للفعل، والواقعة في دائرة رد الفعل؛ ثانيًا الحديث عن عدم الاعتراف الصهيوني بالدولة الفلسطينية، مع أن هناك عشرات الوثائق الرسمية بدءًا من اتفاق أوسلو وانتهاءً بتصريحات رئيس الوزراء الفاسد، وحتى صفقة العار الأميركية ووثائق وزراة خارجيتها حول حقوق الإنسان لعام 2020 جميعها تعترف بالدولة الفلسطينية كحقيقة واقعة على الأرض، بالإضافة لقرارات الشرعية الدولية. وبالتالي المحاولة الصهيونية بالتشويش على المكانة القانونية الدولية لدولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967، محاولة فاشلة وساقطة، ولا تقدم او تؤخر في المعادلات السياسية القائمة شيئًا؛ ثالثًا الهدف من المحاولة الطعن في قرار محكمة الجنائية الدولية، التي أقرت رئيستها بنسودًا بأن فلسطين دولة وفق المعايير القانونية الدولية، وعليه قبلت المحكمة الدعاوى القضائية المرفوعة من قبلها ضد قادة إسرائيل الاستعماريين، الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني. ولذا لن تؤثر القرارات الصهيوأميركية ومن لف لفهم في شرعية ومكانة الدولة الفلسطينية؛ رابعًا ثم ما هي مرتكزات الدولة كمنظومة وفق المعايير الدولية؟ اليست الشعب (السكان) والأرض والمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضايئة، أم هناك شيء آخر؟ الأرض والشعب والسلطات قائمة وموجودة، ولا يستطيع أحد أن يتنكر لها، والانتقاص من مكانة الدولة المعترف بها وفق قرار التقسيم الأممي 181، والقرار الأممي 67/19 عام 2012، وقرار مجلس الأمن 2334 عام 2016 وغيرها من القوانين والقرارات والمعاهدات الأممية، التي تؤكد أن فلسطين دولة كاملة وفق كل المعايير القانونية والسياسية؛ خامسًا الشق الأخير من الدعاوي، وهو موضوع الابتزاز المالي والقانوني لضرب مكانة السلطة الوطنية (الدولة الفلسطينية)، ومحاولة لي ذراع قيادتها، وثنيها عن ملاحقة الخونة والعملاء،وحرمانها من حقها في السيطرة على الأرض والسكان وإنفاذ القانون عليهم مردود على سلطات الاستعمار الإسرائيلية؛ سادسًا منظمة التحرير وسلطتها الوطنية مشروع كفاح تحرري، وليست إمارة سعد حداد وأنطون لحد في جنوب لبنان الميتة، ولا هي جمهورية موز في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، كما كانت تصف جمهوريات اميركا اللاتينية فيما مضى. ولا يمكن للسلطة الفلسطينية القبول بدور التابع والأداة للدولة الصهيونية؛ سابعًا تستطيع محاكم إسرائيل الاستعمارية اتخاذ ما تراه من القرارات، ولكنها وقراراتها وعناوين ابتزازها المالي والقانوني والسياسي والاقتصادي المرفوضة والمتعارضة مع الاتفاقات المبرمة ومع القانون الدولي لن تفت في عضد القيادة الوطنية وسلطتها الوطنية، ولن تثنيها عن ملاحقة العملاء والجواسيس ووفق القانون الفلسطيني، وليس وفق المعايير الصهيونية، التي مآلها المستنقعات الآسنة، كما مآل الاستعمار الصهيوني برمته للأرض الفلسطينية العربية.