منذ العام 2002، قبل ثمانية عشر عاماً، حين أعلن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت، وكان من أهم مخرجاته مبادرة السلام العربية، منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظات التي نعيشها الآن، لم يتوقف السعي الإسرائيلي عن المحاولات شبه المحمومة والفاشلة، لتفريغ مبادرة السلام العربية، من مضمونها الجوهري، وهو أن تطبيع العلاقات العربية مع دولة الاحتلال وهي إسرائيل، مرهون بعودة الحقوق الفلسطينية والعربية إلى أصحابها بالكامل، وبعد ذلك، يمكن أن يحدث تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولقد استعانت إسرائيل بأميركا لإحداث الاختراق الذي سعت إليه كل الحكومات الإسرائيلية منذ ذلك الوقت، وخاصة الحكومات التي كانت برئاسة نتنياهو، بل إن إسرائيل شاركت على المكشوف في إحداث الانقسام الفلسطيني في الرابع عشر من حزيران 2007 رهاناً على خلخلة الموقف الفلسطيني وتآكل الموقف العربي الذي حيدته مبادرة السلام العربية التي تجذرت وأصبحت إحدى الوثائق الدولية الهامة جداً في سياق القضية الفلسطينية.

مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، نهض أنصار المسيحيانية اليهودية من جديد، وحاولوا دفع ترامب إلى تبني كل المقولات الإسرائيلية بفجاجة أكثر، وبروح عدائية أكثر، حتى أن دونالد ترامب اعتبر أن تحقيق هذه المطالب الإسرائيلية هو برنامجه السياسي الأول حيث إن كل سياساته داخل أميركا في علاقاته مع كل العالم، كانت تنتهي بالفشل إلى حد الكارثة، فيحاول أن يعوض عن فشله وقصوره العقلي بمزيد من الاندفاع إلى حد التماهي مع المشاريع الصهيونية، ولقد تموضع السلوك الإسرائيلي في عهد حليفه نتنياهو حول موقف سطحي وعدواني مكشوف ومحتواه أن التطبيع العربي مع إسرائيل هو البند الأول، وعلى هذا الطريق لجأ نتنياهو إلى الدعاية الكاذبة الجوفاء، بأن العرب يتهاتفون على التطبيع المجاني مع إسرائيل!! وكان يساعده في هذه الدعاية الرخيصة بعض أفراد من العرب الفاقدي الوزن والاحترام، وصعد ترمب سياساته الخاوية التي تجرد أميركا من موقعها التقليدي في قمة النظام الدولي، فظهرت إلى الوجود صفقة القرن، وقبلها ندوة البحرين الاقتصادية التي قادها صهره وزوج إبنته جاريد كوشنر كبير مستشاريه واجتماع وارسو ولقاء رئيس مجلس السيادة السوداني مع نتنياهو وتنظيراته السقيمة لتبرير هذه الخيانة التي بلا ثمن، ثم جاء هذا اللاعب الصامت كوفيد 19 ليكشف هشاشة السياسات والأكاذيب الأميركية التي يلجأ إليها دونالد ترامب، فأصبح يتخبط كمن مسه الشيطان، بجنون عقل ودون سيطرة، لكن تخبطه تم التعبير عنه بتخبط أكثر خطورة في داخل إسرائيل وفي المأزق السياسي الإسرائيلي الذي نشاهد فصوله تباعاً.

وفي مواجهة ذلك كله، كانت صلابة الموقف الفلسطيني عبر رؤيا القيادة الفلسطينية التي يتبناها بكل عزم الشعب الفلسطيني، كما اتضح أن كل أحلام نتنياهو هي مجرد خزعبلات، وكل الدعم الذي يقدمه دونالد ترامب لنتنياهو ليس سوى مجموعة تخبطات هوجاء تزيد الغارقين غرقاً، وآخر اختبار هو الموقف العربي الذي بلوره وزراء الخارجية، وهو موقف يعتبر من الثوابت التي يلتف حولها الجميع، ومرة أخرى تثبت فلسطين قيادة وشعباً وممارسة أنها صاحبة المبادرة الرئيسية، وصاحبة القول الفصل والأخير.