بقلم: يامن نوباني

لم تكن النيران التي أشعلها مستعمرون في عدة غرف زراعية ومركبات وأراضٍ مزروعة في الجهة الجنوبية من بلدة سنجل شمال رام الله، عصر الاثنين الماضي، أقل اشتعالاً من وائل باسم غفري (48 عاماً)، الذي كان أول الواصلين، كما عرفته سنجل، يصل دائماً، في مقدمة المدافعين عن الأرض.

التحم غفري طيلة حياته بالأرض، التي تعرفه أيضاً، ما يجعلها تدله على أكثف أماكن وجود الزعتر والميرمية وغيرها من النباتات والأعشاب البرية، وكان ميلاده بعد أشهر قليلة من يوم الأرض الخالد في 30 آذار 1976، فيما أُطلق عليه لحظة استشهاده في 21 نيسان الجاري: "شهيد الأرض".

عاش غفري، وهو أب لولدين من الذكور وثلاث من الإناث، حياة الفلاح بمعناها الجاد والأصيل، فكان ابناً ملتزماً لأرضٍ ورثها من والده الفلاح أيضاً، يُربي المواشي ويحرث ويزرع ويقلع وينتج منها ثمراً طيباً، إلى جانب عمله في مهنة التبليط.

طوال حياته، كان غفري مهدداً من المستعمرين، لتمسكه بأرضه ودفاعه عنها في كل المرات التي تعرضت من خلالها لمحاولات الاستيلاء والسرقة، حتى أنهم عرفوه بالاسم، واعتدوا عليه في أكثر من مرة، وكان آخرها في موسم الزيتون الفائت، حين اتصل مستعمرون بالمتطرف ميخائيل شملا، صاحب أول بؤرة استعمارية رعوية على أراضي سنجل، وأبلغوه بوجود غفري في أرضه، ليصل بعد دقائق إلى المكان محمياً بجيش الاحتلال، فيعتدي على الشهيد غفري ويسرق ثمر زيتونه ومركبته، بحسب الناشط والصحفي محمد غفري.

وأضاف محمد غفري: اشتُهر الشهيد وائل ومن قبله والده بتربية الأغنام والنحل وإنتاج الألبان والجبن، وكل ما تنتجه الأرض التي امتلكها في أكثر المناطق استهدافًا في سنجل ومحيطها، وتسمى: الرماني، والرفيد، وأبو العوف، حيث امتلكت العائلة أراضي واسعة تقع في مثلث يربط المستعمرات الثلاث (معالي ليفونة، وشيلو، وعيلي).

وبين محمد، بدأ التحول في المنطقة عامي 2020/2021 حين بدأ الاستعمار الرعوي في أراضي البلدة على يد مستعمر اسمه نوري، ولاحقا مستعمر اسمه ميخائيل شملا، أقاما بؤرة رعوية في أراضي البلدة، وامتدت البؤر الرعوية إلى منطقتي الرفيد والرمانة، وفي معظمها أراضٍ لعائلة غفري، لكننا بقينا في الأرض رغم كل المضايقات، وكان الشهيد وائل من الذين يمتلكون جرأة كبيرة في مواجهة المستعمرين هناك، الذين يعملون طيلة الوقت على تخريب الأرض ورعي أبقارهم بين المزروعات والأشجار، وكثيرا ما تم احتجازه حتى ساعات متأخرة من الليل، أو احتجازه في مركز شرطة الاحتلال (بنيامين)، حيث كان الجيش تلبية لمطالب المستعمرين يحاول منعه من الوصول إلى أرضه.

ولفت، إلى أن شمال البلدة، وخاصة منطقة الرفيد، يعد أخطر المناطق التي من الممكن يصل إليها المواطنون، وكان وائل يصل إليها، ويحاول تشجيع الناس خلال وجوده فيها، حيث يلتقط صوراً للزعتر هناك، ويرسلها عبر مجموعات التواصل الاجتماعي، محفزاً أهالي البلدة على القدوم، ففي تلك المنطقة يوجد أشهى مذاق للزعتر.

وبين، أن الأحداث الأخيرة وقعت في جنوب البلدة التي نعتبرها (مناطق آمنة)، وتزورها العائلات للاستمتاع بالطبيعة، لكننا تفاجأنا بوضع المستعمرين خيمة هناك، وفي يوم الاثنين الماضي، تعرضت المنطقة لهجوم عنيف من المستعمرين، الذين قاموا بعمليات تخريب وتكسير وحرق لغرف وممتلكات زراعية، وكان وائل أول من هب من أهالي البلدة للدفاع عن المنطقة، حيث توجد غرفة زراعية تعود لشقيقه محمد تعرضت للحرق، وكانت اللحظات الأخيرة قبل استشهاده، محاولة إطفاء تلك الحرائق التي أشعلها المستعمرون، قبل أن يتعارك مع الجنود ويصاب بقنابل الغاز السام التي أطلقها جيش الاحتلال.

وأشار الناشط والصحفي محمد غفري، إلى أن بلدة سنجل تستعد لسلسلة فعاليات إهداءً لروح وائل، منها استصلاح المنطقة التي هاجمها المستعمرون وزراعتها، وإقامة دوري رياضي باسمه، إذ كان من مشجعي فريق البلدة لكرة الطائرة ومحبيه، ودائم الحضور في جميع مبارياته، إضافة إلى دعوته في لحظات الفوز المهمة الفريق والمشجعين إلى تناول الحلويات على حسابه الشخصي، كما كان الشهيد كريماً في مناسبات البلدة كافة بأفراحها وأتراحها.

ويختم غفري، أن زوجة الشهيد وائل أم باسم (سميرة غفري)، هي أيضاً شقيقة الشهيد عبد الله كراكرة، ولاستشهاده قصة، إذ توجه ليلاً مع مجموعة شبان لحفر قبر الشهيد فتحي شبانة عام 1996، وصباحاً دارت مواجهات قبل جنازة الشهيد شبانة مع قوات الاحتلال، ليُستشهد على إثرها كراكرة، ويدفن في حفرة إلى جانب الحفرة التي حفرها للشهيد شبانة قبل استشهاده بساعات قليلة.

ويُشار إلى أن بلدة سنجل (8 آلاف نسمة)، 17 كم شمال رام الله، يبتلع الاستعمار من أرضها آلاف الدونمات ويمنع المواطنين من البناء والوصول إلى أكثر من 9 آلاف دونم، وتحيط بها مستعمرات: معالي ليفونة، وشيلو، وعيلي، و5 بؤر استعمارية ورعوية، فيما يستمر إغلاق مدخلها الرئيسي منذ 7 أشهر، حيث جرى فتحه لعدة أشهر بعد إغلاقه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ويعمل الاحتلال على إقامة سياج بطول كيلومترين يفصل بلدة سنجل عن الشارع الرئيسي الواصل بين مدينتي نابلس ورام الله (يسميه الاحتلال شارع 60)، والذي سيعزل في محيط سنجل أكثر من خمسة آلاف دونم زراعي تابع للبلدة، كما أن المخطط يشمل بلدة ترمسعيا المجاورة، وسيبتلع بدوره آلاف الدونمات من سهلها الزراعي، حيث تم الاستيلاء على 30 دونماً من أراضي سنجل وترمسعيا لصالح بناء السياج.