فور إعلان حالة الطوارئ في فلسطين لمواجهة جائحة كورونا، هبت قوى العمل الوطني والمجتمعي والطوعي لتسجل حالة فريدة من التكافل والتكاتف المجتمعي من جانب، وحالة من التناغم مع المؤسسة الأمنية من جانب آخر.
لقد شكل ظهور لجان الطوارئ في هذا الوقت العصيب حالة وطنية معبرة -علاوة على ما تحمله من دلالات الانتصار لقيم التعاضد- عن بسط الوجود في المناطق الفلسطينية بالكامل، وقد عملت لجان الطوارئ في كل المناطق بغض النظر عن تصنيفها، وحلت في بعض المواقع مكان المؤسسة الأمنية لعدم توافر الأعداد الكافية من مرتبات قوى الأمن لتغطية كامل المساحات الفلسطينية، وشكل ذلك حالة حظيت بالاحترام؛ خاصة وأن هذه اللجان لطالما وظفت كامل طاقتها في تلبية احتياجات الناس وفي حفظ الأمن بما لا ينتهك خصوصية الناس، وحركة تنقلهم في حالات الضرورة مع التأكيد على شروط الصحة والسلامة.
إن ما يميز أبناء شعبنا الفلسطيني امتلاكهم موروث النخوة والشهامة، وشغف التطوع ونصرة الملهوف ما يستدعي استثمار هذه الحالة والبناء عليها، وضبط ايقاعها لتكون بمثابة الجيش الشعبي الفلسطيني التطوعي.
ففلسطين ليست كباقي الدول تفرض على أبنائها التجنيد والخدمة الإجبارية، وليست لديها قوات احتياط تستدعيها في حالات الطوارئ والضرورة؛ ما يؤدي إلى عفوية أداء اللجان وعشوائيته أحيانًا؛ وقد تخلق بعض الإشكاليات المجتمعية أحيانًا، فلجان الطوارئ على الأرض في زمن كورونا أصبحت واقعًا، وأيضًا تجربة جديدة تتطلب المزيد من الدراسة والتحليل من حيث الأداء والآثار المترتبة على ذلك، كما تعتبر مَنهلا لخبرات وممارسات جديدة تحتاج للتقييم والتقويم، حيث ارتبط عمل لجان الطوارئ أكثر بحواجز المحبة، وسجلت هذه اللجان في عديد المواقع قصص نجاح يُحتذى بها، وعبرت عن الانضباط والالتزام النابع من الحرص الشديد على تحقيق الهدف المنشود، وفي بعض المواقع كانت هناك بعض الإشكالات الناتجة عن اختلاف وجهات النظر في كيفية تأدية الخدمة.
لقد خلفت جائحة كورونا أوضاعًا جديدة على الأرض في مناحي الحياة المختلفة، ولجان الطوارئ جزء من هذه الأوضاع التي تتطلب التفكير المعمق بمصيرها بعد زوال الجائحة باستحضار واضح لسؤال محدد: ما هو المأمول؟ لتعزيز هذه الحالة واستثمارها وتوجيهها لتكون في أعلى درجات الجاهزية في أي حالة عامة قد تطرأ فجأة، وتستدعي مشاركة الجميع كما هو الحال في زمن كورونا.
المأمول من الحكومة وصنّاع القرار البدء جديًا في البناء على تجربة لجان الطوارئ لتصبح أساسًا لخلق حالة وطنية منظمة بجاهزية كاملة، واستثمار الحالة القائمة اليوم لخلق فرصة حقيقية في تشكيل جسم راع محفز لتعظيم التجربة، وحتى يكون هناك قوة إسناد لقوى الأمن ولحاجة المواطن إذا تطلب الأمر يومًا ما.
فلسطين زاخرة بشبابها، وبانتمائهم ولهفتهم وشغفهم للتطوع وخدمة المجتمع، وفيها من المؤسسات الشبابية الطوعية ما يجعلنا نباهي بها، وذلك يخلق لدينا تحديًا جديًا ومأمولاً لفتح آفاق جديدة لاستثمار أوقات الشباب وطاقاتهم الطوعية الهائلة والعمل على تنميتها، لنعمّر بلدنا يدًا بيد، وكتفًا بكتف، ونحن قادرون على جعل حالة التفاعل المسؤول - إن جاز التعبير – خلال الجائحة نهجًا محكومًا بالاستدامة، فقد لمسناها في أزمة كورونا أن لدينا ما يمكن الرهان عليه في هذا الشأن.
الأمر يقودنا إلى رؤية فحواها أن إنشاء جسم أو هيئة وطنية؛ تكون المظلة لكافة نشاطاتنا التطوعية وفي أوقات الطوارئ كفيل بخلق حالة تعبئة لدى الأجيال الشابة تثقفهم وتدربهم، وتخلق شبكة تواصل مضبوطة الإيقاع لتحريك الطاقات الشبابية أينما وحيثما تطلب الأمر ذلك، فما ينفق على المشاريع الشبابية المدعومة من هنا وهناك لن يحقق الغايات والخطط الوطنية المنشودة في هذا المجال ما لم يكن هناك جسم وطني جامع، فلتتضافر الجهود لتكون حالة العمل الطوعي الوطني الهادف تحت مظلة واحدة قادرة على توجيه الجهود وتنظيمها في سبيل تحقيق الأجندة الوطنية التطوعية الهادفة، فالطاقات الكبيرة للشباب الفلسطيني تستحق هيئة وطنية قادرة على شحذ الهمم المتواصل، وعلى خلق حالة تعبوية تجاه العمل الطوعي والطارئ في فلسطين وبأشكاله كافة، وهذا ما نأمله من تجربة لجان الطوارئ في زمن كورونا، ولنشمر عن سواعدنا لنبني مستقبل وطننا.
مهند أبو شمة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها