إسرائيل، دولة الاحتلال، تمر الآن بمأزق وجودي صعب للغاية، يلخص هذا المأزق ان المفاتيح الدولية المعتمدة منذ زمن طويل لادارة العالم قد تغيرت، وقد تغيرت بشكل عاصف لا يمكن اخفاؤه أو نكرانه، وهذا التغير يشمل العديد من الدول الكبرى التي اعتادت أن تقرر والآخرون ينفذون ليس إلا، وبما ان إسرائيل دولة الاحتلال قامت قبل واحد وسبعين سنة بأداء أدوار لصالح الدول الكبرى سواء في مرحلة الموجه الاستعمارية او الموجه الامبريالية، فإن التغيرات الحادة في أدوار هاتين الموجتين قد صنعت المزيد من المآزق لإسرائيل، واهم تعبير عنها هو المأزق الحالي، حيث عام 2019 يكاد ينتهي بينما إسرائيل عاجزة عن تشكيل حكومة، وان الانتخابات التي هربت اليها مرتين هذا العام، وقد تهرب اليها مرة ثالثة، والسبب في اعتقادي ان إسرائيل لم تعد قادرة على لعب الأدوار التي خلقت لها، تقرير حالة المنطقة، بل هي عاجزة عن تقرير حالتها، وان نموذج ما يعرف بالاباء الصهاينة لم يعد موجودا في إسرائيل باي درجة، وبالتالي فان الاحتلال والاستيطان الملفوف بالخرافة والاكذوبة، بان الإسرائيليين كانوا هنا، وهذه ارضهم يعودون اليها، قد أصبحت اكذوبة عاجزة تفضحها هذه الممارسات الإسرائيلية التي تطفح بها كل قواميس الاعمال الاجرامية، ابتداء من حمى الاستيطان التي تصل الى ما يشبه الجنون، الى يوميات القتل اليومي على الشبهة، والعقاب الجماعي، وهدم البيوت، وسحب الهويات، وترويج بضائع ومنتجات المستوطنات، والادعاء بان التطبيع ممكن وقائم فعلا اعتمادا على بعض حالات السقوط العربية التي لا يمكن ان تشكل تيارا ذا شأن، والترديد الممل للاكذوبة ان إسرائيل نموذج واحة الديمقراطية، وهذه دعاية تعاني من الانكشاف الواضح على يد نتنياهو وعائلته واقاربه وأصدقائه الذين يمارسون منذ سنوات فسادا شاذا ولكنهم يعرضون انفسهم كنموذج للنقاء اليهودي، وغير ذلك الكثير لا يعد ولا يحصى.

مؤتمر المقاومة الشعبية الوطنية الدولية، حاد في الوقت الضروري لان المقاومة يجب ألا تتكلس عند نموذج بعينه، بل يجب ان تتوسع مدلولاتها وميادينها، ابتداء من حبل قطعة الأرض التي يملكها الفلاح الفلسطيني نموذجا للحياة والازدهار، الى حد مواجهة كل اشكال الشذوذ التي يمارسها هذا الاحتلال الذي يندحر الى الدائرة المغلقة التي تسبب الموت .

لنا خبرة واسعة في المقاومة الشعبية، ابتداء من ابرز الشباب المتعلمين حتى العجائز في اصغر القرى، المقاومة الشعبية هي ايقاعات الحياة كلها، وكيف عشنا واستمرت قضيتنا عنوانا لولا اننا نمتلك جذور وفروع هذه المقاومة الشعبية التي استقطبت عبر السنوات الطويلة انصارا ومؤيدين ومتفهمين من شتى انحاء العالم .

فلسطين اليوم هي نموذج انساني لامع في القدرة على صنع الحياة، وفي القدرة على ابتداع ما لم يكن موجودا في السابق، مثل نموذج الانتفاضة وما خلقته من مآثر في التكافل الاجتماعي، والشعور الكثيف لكل فلسطيني بانه قادر على المقاومة، من دون الصراخ الشديد ودون الوقوع في موجات الشعارات الخرقاء.

إنَّ حضور فلسطين في العالم اليوم هو حضور لافت يجعل من هذا الشعب وقضيته نموذجا خارقا للخلاص.