يوم الأربعاء الماضي الموافق 23 تشرين الاول/ أكتوبر الحالي (2019) أدى الرئيس التونسي الجديد، د.قيس سعيد يمين القسم إيذانا بتوليه مهامه الرئاسية، وألقى كلمة تاريخية وهامة عكست رؤية القائد القادم من رحم الشعب دون ضجيج وصخب الحملات الدعاوية، أو دعائم حزبية، أو خارجية، وبعيدا عن همس السفارات وأجهزتها الأمنية، ومن خارج دائرة المال السياسي الفاسد، توكل على الله والشعب ومضى حاملا قناعاته ورؤيته الفكرية السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية البسيطة والعميقة الدلالة والقيمة، شاقا الصفوف بخطى حثيثة وثابتة وراسخة على الأرض، ومتقدما على كل المنافسين بجدارة فاقت كل التوقعات، حتى حَّير الأصدقاء قبل الخصوم والأعداء، وأرغم الغالبية من مختلف الوان الطيف العقائدي والفكري السياسي ليصطف خلفه، ويصوت له، ما زاد في إرباك المراقبين التوانسة والعرب والدوليين، واعتبروه ظاهرة خاصة تحتاج لدراسة لاستخلاص عبرها، والاستفادة من دروسها.

البرفيسور في القانون، قيس سعيد قدم في خطابه الأول للشعب خطوطه العريضة لسياساته المقبلة، وما يطمح لتحقيقه لرفعة وتقدم ورقي ونهضة الشعب العربي التونسي، حيث أكد على محاربة الفساد بكل تلاوينه ومشاربه؛ وتطور الاقتصاد التونسي في مجالاته المختلفة؛ وفتح سوق العمل للبطالة؛ ودعم حقوق الفقراء والمسحوقين والشرائح والفئات المهمشة؛ وتعزيز مكانة ممثليهم وخاصة الاتحاد العام للشغل التونسي؛ وسيادة القانون، وحماية النظام السياسي التعددي الديمقراطي، القادر والكفيل باستيعاب كل مكونات الشعب التونسي الفكرية والعقائدية والسياسية؛ ودعم وإسناد حقوق ومكانة المرأة في المجتمع والنظام السياسي، والتعاون والتكامل مع كافة القوى السياسية دون تحيز، ومن مسافة واحدة مع الجميع؛ وحماية العلم والمعرفة والثقافة، وتعظيم مكانة العملية التربوية.

وعلى الصعيد العربي والدولي، اكد رئيس تونس الواعد على، أولوية الاتحاد المغاربي وتنشيطه، وضخ الدماء الجديدة فيه؛ والارتقاء بالعلاقات العربية العربية البينية على المستويين الثنائي والجمعي؛ وتعزيز العلاقات مع شعوب القارة السوداء، وايضا العلاقات مع الدول المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط، وهو يقصد دول الاتحاد الأوروبي عموما وفرنسا خصوصا، واحترامه لكل الاتفاقات الموقعة بين تونس ودول العالم المختلفة.

وتوقف مطولا امام القضايا العادلة العربية والأممية، وأكد أن القضية الفلسطينية تقف على رأس تلك القضايا، واعتبرها جزءا من قضايا الشعب العربي التونسي، رغم ان بعض ممثلي القوى التونسية سجلوا تحفظا على تصريحات الرئيس سعيد السابقة بهذا الشأن، واعتبروا ذلك تغريدا خارج أولويات الشعب التونسي. ولكن الزعيم المتمثل لمصالح الشعب والأمة، عاد وأكد على اولوية القضية الفلسطينية، كجزء لا يتجزأ من قضايا الشعب التونسي، مصرا بثبات على الالتزام القومي بضرورة الدفاع عن قضية العرب المركزية، ومطالبا العالم برفع الضيم والظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني الشقيق، ومعمقا الروابط الأخوية المشتركة بين الشعبين والمصيرين التونسي والفلسطيني، ورافضا الخلط بين اليهود والصهيونية، وموضحا بجلاء، ان اتباع الديانة اليهودية، هم ابناء الشعب التونسي، شركاء في المصير الواحد، لهم ما للتوانسة الآخرين من حقوق، وعليهم ذات الواجبات. وعليه نادى، وما زال ينادي بعزم وإصرار المؤمن، وشجاعة الفارس النبيل على ان الحق الفلسطيني لا يموت بالتقادم، بل ما زال هذا الحق نابضا في قلوب الفلسطينيين واشقائهم العرب، وكل انصار السلام في العالم، ولن يموت. لأن أجراس الحرية تقرع مع كل آذان في المساجد، ومع اجراس الكنائس، وأصوات نافخ البوق في الكنس اليهودية، ومع كل صلاة في معابد معتنقي اصحاب التعاليم والمعتقدات الأخرى على مساحة الكون.

كان صوت البرفيسور قيس سعيد مجلجلا، قويا، ناصعا، يكشف عن عزم وإصرار لا يلين في دعم وإسناد قضية فلسطين، قضية العرب المركزية، وهو ما يبشر بالملموس على عودة القضية لمكانتها التاريخية بوجود امثال الزعيم التونسي الجديد. وبالضرورة ستلعب تونس دورا متميزا في الفترة القادمة بعضويتها في مجلس الأمن الدولي للعامين القادمين، فضلا عن التزامها التاريخي تجاه فلسطين وشعبها.

ويمكن الجزم ان الشعب الفلسطيني وقواه يعبرون عن تقديرهم وعظيم امتنانهم لمواقف الرئيس التونسي الجديد، وللشعب الشقيق، الذي شارك فلسطين وشعبها آلامه ومعاناته، وما زال يقف في الخندق المتقدم دفاعا عن فلسطين. وبذات القدر، معنية بمنح الأولوية لقضايا الشعب التونسي الشقيق، لأن تطور ونهضة تونس ونجاح تجربتها الديمقراطية، نجاح لفلسطين وحريتها.